قدم الاستثناء فقال : إن شاء الله تعالى فأنت طالق فهو استثناء صحيح ; لأنه وصل الطلاق بالاستثناء بحرف الوصل ، وهو الفاء ; فيصح التعليق بمشيئة الله تعالى كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق .
وكذا لو قال : إن شاء الله تعالى ، وأنت طالق ; لأن الواو للجمع فتصير الجملة كلاما واحدا .
ولو
قال : إن شاء الله تعالى أنت طالق جاز الاستثناء في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954، وأبي يوسف ، ولا يقع الطلاق .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : هو استثناء منقطع والطلاق واقع في القضاء ، ويدين فيما بينه ، وبين الله عز وجل أنه أراد به الاستثناء ( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أن الجزاء إذا كان متأخرا عن الشرط لا بد من ذكر حرف الاتصال - وهو حرف الفاء - ليتصل الجزاء بالشرط ، وإذا لم يوجد لم يتصل فكان قوله : إن شاء الله تعالى استثناء منقطعا فلم يصح ، ويقع الطلاق كما إذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق فإنه لا يتعلق لعدم حرف التعليق - وهو حرف الفاء - فيبقى تنجيزا فيقع الطلاق كذا هذا ، ولهما أن الفاء يضمر في كلامه تصحيحا للاستثناء والإضمار في مثل هذا الكلام جائز قال الشاعر
من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان
أي : فالله يشكرها ، أو يجعل الكلام على التقديم والتأخير تصحيحا للاستثناء كأنه قال : أنت طالق إن شاء الله تعالى والتقديم والتأخير في الكلام جائز أيضا في اللغة .
وهذان الوجهان يصحان لتصحيح الاستثناء فيما بينه ، وبين الله تعالى لا في القضاء ; لأن كل واحد منهما خلاف الظاهر ، فلا يصدقه القاضي ألا ترى أنه إذا قال : إن دخلت الدار أنت طالق لا يتعلق ، وإن أمكن تصحيح التعليق بأحد هذين الطريقين ، لكن لما كان خلاف الظاهر لم يتعلق ، ولا يصدق أنه أراد به التعليق في القضاء ، وإنما يصدق فيما بينه ، وبين الله تعالى لا غير كذا هذا ( ووجه ) الفرق بين المسألتين أن الحاجة إلى ذكر حرف الفاء في التعليق بسائر الشروط - إذا كان الجزاء متأخرا عن الشرط في الملك - ليتصل الجزاء بالشرط فيوجد عند وجود الشرط ; لأنه شرط يمكن الوقوف عليه والعلم به على تقدير وجوده ، فلا بد من وصل الجزاء بالشرط بحرف الوصل بخلاف التعليق بمشيئة الله تعالى ، ووقوع هذا الطلاق مما لا سبيل لنا إلى الوقوف عليه رأسا حتى تقع الحاجة إلى وصل الجزاء به ليوجد عند وجوده فكان تعطيلا في علمنا ، فلا حاجة إلى ذكر حرف الوصل قبل هذا الشرط والدليل على التفرقة بين الشرطين أنه إذا قال : إن شاء الله تعالى ، وأنت طالق ، يصح الاستثناء ، ولو قال : إن دخلت الدار ، وأنت طالق لا يصح التعليق ، ويقع الطلاق للحال ، ولو قال : عنيت به التعليق لا يصدق قضاء ، ولا ديانة لما ذكرنا كذا هذا ، هذا كله إذا علق الطلاق بمشيئة الله تعالى .
فأما إذا علق الطلاق بمشيئة غير الله فإن علق بمشيئة من يوقف على مشيئته من العباد بأن
قال : إن شاء زيد فالطلاق موقوف على مشيئته في المجلس الذي يعلم فيه بالتعليق ; لأن هذا النوع من التعليق تمليك لما نذكر فيتقيد بالمجلس كسائر التمليكات ، وإن علقه بمشيئة من لا يوقف على مشيئته نحو أن يقول : إن شاء
جبريل أو الملائكة أو الجن أو الشياطين فهو بمنزلة التعليق بمشيئة الله تعالى ; لأنه لا يوقف على مشيئة هؤلاء كما
[ ص: 160 ] لا يوقف على مشيئة الله عز وجل فصار كأنه قال : إن شاء الله تعالى .
ولو
جمع بين مشيئة الله تعالى وبين مشيئة العباد فقال : إن شاء الله تعالى ، وشاء زيد فشاء زيد لم يقع الطلاق ; لأنه علقه بشرطين لا يعلم وجود أحدهما والمعلق بشرطين لا ينزل عند وجود أحدهما ، كما لو قال إن شاء
زيد nindex.php?page=showalam&ids=2، وعمر فشاء أحدهما والله الموفق .