بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( ومنها ) أن لا يكون انتهاء الغاية فإن كان لا يقع ، وهذا قول أبي حنيفة ، وزفر وقال أبو يوسف ، ومحمد هذا ليس بشرط ، ويقع ، وإن جعل انتهاء الغاية ، وهل يشترط أن لا يكون ابتداء الغاية ؟ قال أصحابنا الثلاثة لا يشترط وقال زفر يشترط والأصل في هذا أن عند زفر الغايتان لا يدخلان ثم ينظر إن بقي بينهما شيء وقع ، وإلا ، فلا .

وعند أبي يوسف ، ومحمد الغايتان تدخلان ، وعند أبي حنيفة الأولى تدخل لا الثانية ، وبيان هذه الجملة إذا قال لامرأته : أنت طالق واحدة إلى اثنتين أو ما بين واحدة إلى اثنتين فهي واحدة عند أبي حنيفة .

وعندهما هي اثنتان ، وعند زفر لا يقع شيء .

ولو قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث فهي اثنتان في قول أبي حنيفة ، وعندهما هي ثلاث ، وعند زفر هي واحدة ( وجه ) قول زفر أن كلمة من لابتداء الغاية ، وكلمة إلى لانتهاء الغاية ; يقال سرت من البصرة إلى الكوفة أي : البصرة كانت ابتداء غاية المسير والكوفة كانت غاية المسير ، والغاية لا تدخل تحت ما ضربت له الغاية كما في البيع فإنه إذ قال : بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط فالحائطان لا يدخلان في البيع فكان هذا منه إيقاع ما ضربت له الغاية لا الغاية ، فيقع ما ضربت له الغاية لا الغاية .

وكذا إذا قال : بعتك ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الحائطان في البيع كذا ههنا ، ولهذا لم تدخل إحدى الغايتين عند أبي حنيفة كذا الأخرى ، ولهما أن ما جعل غاية لا بد من وجوده إذ المعدوم لا يصلح غاية ، ومن ضرورة وجوده وقوعه ، ولهذا دخلت الغاية الأولى فكذا الثانية ، بخلاف البيع فإن الغاية هناك كانت موجودة قبل البيع فلم يكن وجودها بالبيع ليكون من ضرورة وجودها بالبيع دخولها فيه فلم تدخل ، وأبو حنيفة بنى الأمر في ذلك على العرف والعادة فإن الرجل يقول في العرف والعادة لفلان علي من مائة درهم إلى ألف ، ويريد به دخول الغاية الأولى لا الثانية .

وكذا يقال سن فلان من تسعين إلى مائة ، ويراد به دخول الغاية الأولى لا الثانية .

وكذا إذا قيل ما بين تسعين إلى مائة ، .

وقيل إن الأصمعي ألزم زفر هذا الفصل على باب الرشيد فقال له : كم سنك ؟ فقال من سبعين إلى ثمانين ، وكان سنه أقل من ثمانين فتحير زفر ; ; ولأن انتهاء الغاية قد تدخل تحت ما ضربت له الغاية وقد لا تدخل قال الله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل } والليل لم يدخل تحت الأمر بالصوم فيه فوقع الشك في دخول الغاية الثانية في كلامه ، فلا يدخل مع الشك ، فإن نوى واحدة في قوله من واحدة إلى ثلاث كما قال زفر دين فيما بينه ، وبين الله تعالى ; لأنه نوى ما يحتمله كلامه ، ولا يدين في القضاء ; لأنه خلاف الظاهر ، وقياس ظاهر أصلهما في قوله أنت طالق من واحدة إلى اثنتين أنه يقع الثلاث ; لأن الغايتين يدخلان عندهما إلا أنه يحتمل أنه جعل تلك الواحدة داخلة في الثنتين ، ويحتمل أنه جعلها غير الثنتين ، فلا تقع الزيادة على الثنتين بالشك .

وروي عن أبي يوسف أنه قال في رجل قال لامرأته : أنت طالق اثنتين إلى اثنتين أنه يقع ثنتان ; لأنه يحتمل أن يكون جعل الابتداء هو الغاية كأنه قال : أنت طالق من اثنتين إليهما .

وكذا روي عن أبي يوسف أنه قال : إذا قال : أنت طالق ما بين واحدة ، وثلاث فهي واحدة ; لأنه ما جعل الثلاث غاية ، وإنما أوقع ما بين العددين - وهو واحدة - فتقع الواحدة ، وإن قال : أنت طالق ما بين واحدة إلى أخرى أو من واحدة إلى واحدة - فهي واحدة - أما على أصل أبي حنيفة ; فلأن الغاية الأولى تدخل ، ولا تدخل الثانية فتقع واحدة .

وأما على أصلهما فالغايتان ، وإن كانتا يدخلان جميعا لكن يحتمل أن يكون المراد من قوله من واحدة إلى واحدة أي : منها وإليها ، فلا يقع أكثر من واحدة ، وأما على أصل زفر فالغايتان لا يدخلان ، ولم يبق بينهما شيء والله عز وجل أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية