ولو
جنى المكاتب على إنسان خطأ فإنه يسعى في الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ; لأن رقبته مملوكة للمولى إلا أنه تعذر الدفع من غير اختيار بسبب الكتابة ، فصار كالعبد القن إذا جنى جناية ثم أعتقه المولى من غير علمه بالجناية .
والحكم هناك ما ذكرنا فكذا ههنا ، فينظر إن كان أرش الجناية أقل من قيمته فعليه أرش الجناية ; لأن المجني عليه لا يستحق أكثر من ذلك ، فإذا دفع ذلك فقد سقط حقه ، وإن كانت قيمته أقل من أرش الجناية فعليه قيمته ; لأن حكم الجناية تعلق بالرقبة لكون الرقبة ملك المولى ، وهي لا تحتمل أكثر من قيمتها فلا يلزمه أكثر من ذلك .
وكذلك لو
جنى جنايات خطأ قبل أن يحكم عليه بالجناية الأولى لا يجب عليه إلا قيمة واحدة وإن كثرت جناياته في قول
أصحابنا الثلاثة .
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر يجب عليه في كل جناية الأقل من أرشها ومن قيمته ، وهذا فرع اختلافهم في أن جناياته تتعلق بالرقبة أو بذمته ، فعندنا تتعلق برقبته ، والرقبة لا تتسع لأكثر من قيمة واحدة ، وعنده تتعلق بذمته ، والذمة متسعة والصحيح قولنا لما ذكرنا إن رقبته مملوكة للمولى ، فإنها مقدور الدفع في الجملة بأن يعجز فيدفع إلا أنه تعذر الدفع بالمنع السابق ، وهو الكتابة من غير اختيار فصار كما لو جنى جنايات ثم أعتقه المولى من غير علمه بها ، وهناك لا يلزمه إلا قيمة واحدة كذلك ههنا ، هذا إذا جنى ثانيا قبل أن يحكم عليه الحاكم بالأولى .
فأما إذا حكم الحاكم بالأولى ثم جنى ثانيا فإنه يلزمه قيمة أخرى بالجناية الثانية ; لأنها لما حكم الحاكم فقد انتقلت الجناية من رقبته إلى ذمته
[ ص: 152 ] فحصلت الجناية الثانية ، والرقبة فارغة عن جنايته متعلقة بها فصار بمنزلة الجناية المبتدأة .
فرق بين هذا وبين ما إذا حفر المكاتب بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها إنسان ، ووجب عليه أن يسعى في قيمته يوم حفر ، ثم وقع فيها آخر أنه لا يلزمه أكثر من قيمة واحدة سواء حكم الحاكم بالأولى أو لم يحكم .
ووجه الفرق أن هناك الجناية واحدة ، وهي حفر البئر فالضمان الذي يلزمه إنما يلزمه بسبب واحد فوقوع الثاني وإن كان بعد حكم الحاكم لكن بسبب سابق على حكمه ، فصار كأنه قتلهما دفعة واحدة فلا يلزمه إلا قيمة واحدة .
فأما ههنا فقد تعددت الجناية ، والثانية حصلت بعد فراغ رقبته عن الأولى وانتقالها إلى ذمته فيتعدد السبب فيتعدد الحكم ، ولو سقط حائط مائل أشهد عليه على إنسان فقتله فعليه أن يسعى في قيمته ; لأن المكاتب يملك النقض فيصح الإشهاد عليه كما في الحر ، ويجب عليه قيمة نفسه كما لو قتل آخر خطأ ، وكذلك إذا
وجد في دار المكاتب قتيل فعليه أن يسعى في قيمته إذا كانت قيمته أكثر من الدية فينتقص منها عشرة دراهم .