بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو أحال المكاتب على غريم له عليه دين من أكسابه وقبل المولى صح وعتق .

وإذا ثبت الملك للمولى في البدل كان ينبغي أن يزول المبدل من ملكه ، وهو رقبة المكاتب ، وتسلم له رقبته تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة ، إذ المعاوضة في الحقيقة بين البدل والرقبة كما في سائر المعاوضات من البيع والإجارة ، كما في الخلع والإعتاق على مال .

إلا أن الزوال لو ثبت ههنا للحال بقي الدين في ذمة المفلس ، ويتكامل في الأداء فيتضرر به المولى فيمتنع الناس عن الكتابة ، فشرع هذا العقد على خلاف موجب المعاوضات في ثبوت السلامة وزوال المبدل عن المولى إلا بسلامة البدل له على الكمال ، نظرا للموالي وترغيبا لهم في عقد الكتابة ، ونظرا للعبيد ليتوصلوا إلى العتق ، فإذا جاء آخر حياته وعجز عن الكسب انتقل الدين من ذمته إلى أكسابه كما في الحر ، إلا أن الكسب قد لا يسلم له إما بالهلاك ، أو بأخذ الورثة ، فإذا أدى ذلك إلى المولى فقد وجد الشرط ، وهو سلامة البدل للمولى فيسلم المبدل للمكاتب ، وهو رقبته له .

وأما الإبراء فهو أنه لما بلغ آخر حياته يسقط عنه المطالبة بأداء البدل لعجزه عن الأداء بنفسه ، وانتقل إلى المال خلفا عن المطالبة عنه ، فيطالب به وصيه ، أو وارثه ، أو وصي القاضي ، فإذا أدى النائب سقطت المطالبة عن النائب في آخر حياته ، فيبرأ عن بدل الكتابة ، وتسقط عنه المطالبة في ذلك الوقت فيعتق في ذلك الوقت ، وقد خرج الجواب عما ذكره الشافعي لما ذكرنا أن الشرط ليس هو من صورة الأداء ، بل سلامة البدل صورة ومعنى بالاستيفاء أو معنى بالإبراء وقد حصل ، ومن أصحابنا من قال : إن العتق يثبت بعد الأداء مقصورا عليه ويبقى حيا تقديرا لإحراز شرف الحرية ، كما يبقى المولى حيا بعد الموت تقديرا لإحراز شرف الكتابة ، ويثبت العتق فيه ، وهو مثبت حقيقة ويقدر حيا على اختلاف طريق أصحابنا في ذلك على ما عرف في الخلافيات .

التالي السابق


الخدمات العلمية