وأما شرائط العقد فمنها
عقل العاقد ، إذ لا صحة للإيجاب والقبول بدون العقل ، وأما البلوغ فهو شرط الانعقاد في جانب الإيجاب ، فلا ينعقد الإيجاب من الصبي وإن كان عاقلا ، حتى لو أسلم الصبي العاقل على يد رجل والاه لم يجز ، وإن أذن أبوه الكافر بذلك ; لأن هذا عقد وعقود الصبي العاقل إنما يقف على إذن وليه ، ولا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم ، فكان إذنه والعدم بمنزلة واحدة ، ولهذا لا تجوز سائر عقوده بإذنه كالبيع ونحوه ، كذا عقد الموالاة .
وأما من جانب
[ ص: 171 ] القبول فهو شرط النفاذ حتى لو والى بالغ صبيا فقبل الصبي ينعقد موقوفا على إجازة أبيه أو وصيه ، فإن أجاز جاز ; لأن هذا نوع عقد فكان قبول الصبي فيه بمنزلة قبوله في سائر العقود ، فيجوز بإذن وليه ووصيه كسائر العقود ، وللأب والوصي أن يقبلا عنه كما في البيع ونحوه ، وكذلك لو
والى رجل عبدا فقبل العبد وقف على إجازة المولى ، فإذا أجاز جاز ، إلا أن في العبد إذا أجاز المولى فالولاء من المولى ، وفي الصبي إذا أجاز الأب والوصي فيكون الولاء من الصبي ، وإنما كان كذلك ; لأن العبد لا يملك شيئا فوقع قبوله لمولاه .
ألا ترى أنه لو اشترى شيئا كان المشترى لمولاه ؟ فأما الصبي فهو من أهل الملك ، ألا ترى أنه لو اشترى شيئا كان المشترى له ؟ ولو
والى رجل مكاتبا جاز وكان مولى لمولى المكاتب ; لأن قبول المكاتب صحيح ألا ترى أنه يملك الشراء فجاز قبوله ؟ إلا أن الولاء يكون للمولى ؟ لأن المكاتب ليس من أهل الولاء ، ألا ترى أنه لو كاتب عبدا فأدى وعتق كان الولاء للمولى ؟ بخلاف الصبي فإنه من أهل الولاء ، ألا ترى أن الأب لو كاتب عبد ابنه الصغير فأدى فعتق ثبت الولاء من الابن ؟ .
وأما الإسلام فليس بشرط لصحة هذا العقد ، فيصح فتجوز
موالاة الذمي الذمي ، والذمي المسلم ، والمسلم الذمي ; لأن الموالاة بمنزلة الوصية بالمال ، ولو أوصى ذمي لذمي أو لمسلم ، أو مسلم لذمي بالمال جازت الوصية ، كذا الموالاة ، وكذا الذمي إذا والى ذميا ، ثم أسلم الأسفل جاز لما قلنا ، وكذا الذكورة ليست بشرط ، فتجوز
موالاة الرجل امرأة ، والمرأة رجلا ، وكذا دار الإسلام ، حتى لو
أسلم حربي فوالى مسلما في دار الإسلام أو في دار الحرب فهو مولاه ; لأن الموالاة عقد من العقود فلا يختلف بالذكورة والأنوثة وبدار الإسلام وبدار الحرب والله عز وجل أعلم .