ومنها ظهور ملكه للمشتري عند الإنكار بحجة مطلقة ; وهي البينة وهذا في الحقيقة شرط ظهور الحق لا شرط ثبوته ، وعلى هذا يخرج ما إذا
أنكر المشتري كون الدار التي يشفع بها مملوكة للشفيع أنه ليس له أن يأخذ بالشفعة حتى يقيم البينة أنها داره ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد وإحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف .
وروي عنه رواية أخرى أن هذا ليس بشرط ، والقول قول الشفيع ولا يحتاج إلى إقامة البينة وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهما الله .
( وجه ) هذه الرواية أن الملك كان ثابتا للشفيع في هذه الدار لوجود سبب الثبوت ، وما ثبت يبقى إلى أن يوجد المزيل ولأن اليد دليل الملك ، ألا ترى أن من رأى شيئا في يد إنسان حل له أن يشهد له بالملك دل أن اليد دليل الملك من حيث الظاهر فكان الملك ثابتا للشفيع ظاهرا .
( وجه ) ظاهر الرواية أن سبب ثبوت الحكم لا يوجب بقاءه وإنما البقاء بحكم استصحاب الحال لا يصلح للإلزام على الغير ; كحياة المفقود وحرية الشهود ونحو ذلك ، والحاجة ههنا إلى إلزام المشتري فلا يظهر الملك في حق المشتري .
وقوله : اليد دليل الملك قلنا : إن سلم ذلك فالثابت باليد ملك يظهر في حق الدفع لا في حق الاستحقاق على الغير ، والحاجة ههنا إلى الاستحقاق على المشتري فلا يكفي الملك الثابت بظاهر اليد ، وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف فيمن
ادعى على آخر دارا وأقام البينة على أن هذه الدار كانت في يد أبيه مات وهي في يده أنه يقضى له بالدار فإن جاء يطلب بها شفعة دار أخرى إلى جنبها لم يقض له بالشفعة حتى يقيم البينة على الملك لم يجعل القضاء باليد قضاء بالملك على الإطلاق حيث لم يوجب به الشفعة ، وعلى هذا يخرج ما ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أنه قال في
حائط بين دارين لكل واحد منهما عليه خشبة ولا يعلم أن الحائط بينهما إلا بالخشبة فبيعت إحدى الدارين أنه إن أقام الآخر بينة أن الحائط بينهما فهو أحق من الجار ; لأنه شريك ، وإن لم يقم بينة لم أجعله شريكا ; لأن ملك الحائط بينهما لم يثبت إلا بظاهر الاستعمال بالخشبة ، والملك الثابت بمثل هذا الظاهر لا يكفي لاستحقاق الشفعة ، قال : ولو أقر البائع قبل البيع أن الحائط بينهما لم أجعل له بهذا شفعة بمنزلة دار في يد رجل أقر أنها لآخر فبيعت إلى جنبها دار فطلب المقر له الشفعة فلا شفعة له حتى يقيم البينة أن الدار داره ; لأن الملك في الموضعين جميعا ثبت بالإقرار وأنه حجة قاصرة ، فيظهر في حق المقر في المسألة الأولى ، وفي المسألة الثانية يظهر في حق المقر له خاصة ولا يتعدى إلى المشتري .
وذكر في المنتقى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في
رجل في يده دار عرف القاضي أنها له ، فبيعت دار إلى جنب داره فقال - الشفيع بعد بيع الدار التي فيها الشفعة - : داري هذه لفلان وقد بعتها منه منذ سنة ، وقال : هذا في وقت يقدر على الأخذ بالشفعة ، أو طلبها لنفسه ، قال : لا شفعة له في الدار حتى يقيم المقر له بينة على المشتري .
( أما ) المقر فلا شك أنه لا شفعة له
[ ص: 15 ] لأنه لا ملك له وقت البيع في الدار بإقراره بالبيع قبله .
( وأما ) المقر له فلما ذكرنا أن الملك الثابت بالإقرار ليس بثابت بحجة مطلقة لكون الإقرار حجة قاصرة فلا يظهر في حق الاستحقاق على المشتري .
وذكر
الخصاف في إسقاط الشفعة أن البائع إذا أقر بسهم من الدار للمشتري ثم باع منه بقية الدار أن الجار لا يستحق الشفعة ; لأن المشتري صار شريك البائع في ذلك السهم ، والشريك مقدم على الجار ، ومن أصحابنا من خطأ
الخصاف في هذا وقال : تجب الشفعة للجار ; لأن شركة المشتري لم تثبت إلا بالإقرار من البائع ، والإقرار حجة قاصرة فلا يظهر في حق الجار فكان على شفعته ، وكان يستدل بمسألة الحائط والله سبحانه وتعالى أعلم .