( فصل ) :
وأما بيان ما يبطل به حق الشفعة بعد ثبوته فنقول - وبالله التوفيق - : ما يبطل به حق الشفعة بعد ثبوته في الأصل نوعان : اختياري وضروري ; والاختياري نوعان : صريح وما يجري مجرى الصريح دلالة ; أما
الأول فنحو أن يقول الشفيع : أبطلت الشفعة أو أسقطتها أو أبرأتك عنها أو سلمتها ونحو ذلك ; لأن الشفعة خالص حقه فيملك التصرف فيها استيفاء وإسقاطا كالإبراء عن الدين والعفو عن القصاص ونحو ذلك ; سواء علم الشفيع بالبيع أو لم يعلم بعد أن كان بعد البيع ; لأن هذا
إسقاط الحق صريحا وصريح الإسقاط يستوي فيه العلم والجهل كالطلاق والإبراء عن الحقوق ، بخلاف الإسقاط من طريق الدلالة فإنه لا يسقط حقه ثمة إلا العلم ، والفرق يذكر بعد هذا .
ولا يصح تسليم الشفعة قبل البيع ; لأنه إسقاط الحق ، وإسقاط الحق - قبل وجوبه ووجود سبب وجوبه - محال
ولو أخبر بالبيع بقدر من الثمن أو جنس منه أو من فلان فسلم فظهر بخلافه هل يصح تسليمه ؟ فالأصل في جنس هذه المسائل أنه ينظر إن كان لا يختلف غرض الشفيع في التسليم صح التسليم وبطلت شفعته ، وإن كان يختلف غرضه لم يصح وهو على شفعته ; لأن غرضه في التسليم إذا لم يختلف بين ما أخبر به وبين ما بيع به وقع التسليم محصلا لغرضه فصح ، وإذا اختلف غرضه في التسليم لم يقع التسليم محصلا لغرضه فلم يصح التسليم وبيان هذا في مسائل : إذا أخبر أن الدار بيعت بألف درهم فسلم ثم تبين أنها بيعت بألفين فلا شفعة له ; لأن تسليمه كان لاستكثاره الثمن فإذا لم تصلح له بأقل الثمنين فبأكثرهما أولى ، فحصل غرضه بالتسليم فبطلت شفعته .
ولو أخبر أنها بيعت بألف فسلم ثم تبين أنها بيعت بخمسمائة فله الشفعة ; لأن التسليم عند كثرة الثمن لا يدل على التسليم عند قلته فلم يحصل غرضه بالتسليم فبقي على شفعته .