وأما الذي يرجع إلى محل التضحية فنوعان : أحدهما :
سلامة المحل عن العيوب الفاحشة ; فلا تجوز العمياء ولا العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها وهي التي لا تقدر تمشي برجلها إلى المنسك ، والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي وهي المهزولة التي لا نقي لها وهو المخ ، ومقطوعة الأذن والألية بالكلية ، والتي لا أذن لها في الخلقة .
وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله عن ذلك فقال : أيكون ذلك فإن كان لا يجزي ويجزي السكاء وهي صغيرة الأذن ، ولا يجوز مقطوعة إحدى الأذنين بكمالها ، والتي لها أذن واحدة خلقة .
والأصل في اعتبار هذه الشروط ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14657لا تجزي من الضحايا أربع العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي } وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13396استشرفوا العين والأذن } أي تأملوا سلامتهما عن الآفات .
وروي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8377أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يضحى بعضباء الأذن } ، ولو
ذهب بعض هذه الأعضاء دون بعض من الأذن والألية والذنب والعين ، ذكر في الجامع الصغير ينظر فإن كان الذاهب كثيرا يمنع جواز التضحية وإن كان يسيرا لا يمنع ; لأن اليسير مما لا يمكن التحرز عنه إذ الحيوان لا يخلو عنه عادة ، فلو اعتبر مانعا لضاق الأمر على الناس ووقعوا في الحرج .
واختلف أصحابنا في الحد الفاصل بين القليل والكثير فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله أربع روايات ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله عنه في الأصل ، وفي الجامع الصغير أنه إن كان ذهب الثلث أو أقل جاز وإن كان أكثر من الثلث لا يجوز ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله أنه إن كان ذهب الثلث لا يجوز وإن كان أقل من ذلك جاز وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله : ذكرت قولي
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة رحمه الله فقال : قولي مثل قولك ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه إن كان الباقي أكثر من الذاهب يجوز وإن كان أقل منه أو مثله لا يجوز .
وروى
أبو عبد الله البلخي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه أنه إذا ذهب الربع لم يجزه ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد مع قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في روايته عنه في الأصل ، وذكر
القاضي في شرحه مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي قوله مع قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف وهو إحدى الروايات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن القليل والكثير من الأسماء الإضافية فما كان مضافه أقل منه يكون كثيرا وما كان أكثر منه يكون قليلا إلا أنه قد قال بعدم الجواز إذا كانا سواء احتياطا لاجتماع جهة الجواز وعدم الجواز إلا أنه يعتبر بقاء الأكثر للجواز ولم يوجد .
وروي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22404عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن العضباء } قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : العضباء التي ذهب أكثر أذنها ، فقد اعتبر النبي عليه الصلاة والسلام الأكثر ، وأما وجه رواية اعتبار الربع كثيرا فلأنه يلحق بالكثير في كثير من المواضع كما في مسح الرأس والحلق في حق المحرم ففي موضع الاحتياط أولى .
وأما وجه رواية اعتبار الثلث كثيرا فلقول النبي عليه الصلاة والسلام في باب الوصية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=58394الثلث والثلث كثير } جعل عليه الصلاة والسلام الثلث كثيرا مطلقا ، وأما وجه رواية اعتباره قليلا فاعتباره بالوصية ; لأن الشرع جوز الوصية بالثلث ولم يجوز بما زاد على الثلث فدل أنه إذا لم يزد على الثلث لا يكون كثيرا وأما الهتماء وهي التي لا أسنان لها فإن كانت ترعى وتعتلف جازت وإلا فلا ، وذكر في المنتقى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله أنه إن كان لا يمنعها عن الاعتلاف تجزيه وإن كان يمنعها عن الاعتلاف إلا أن يصب في جوفها صبا لم تجزه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف في قول لا تجزي سواء اعتلفت أو لم تعتلف ، وفي قول إن ذهب أكثر أسنانها لا تجزي كما قال في الأذن والألية والذنب ، وفي قول إن بقي من أسنانها قدر ما تعتلف تجزي وإلا فلا .
وتجوز الثولاء وهي المجنونة إلا إذا كان ذلك يمنعها عن الرعي والاعتلاف فلا تجوز لأنه يفضي إلى
[ ص: 76 ] هلاكها فكان عيبا فاحشا
وتجوز الجرباء إذا كانت سمينة فإن كانت مهزولة لا تجوز
وتجزي الجماء وهي التي لا قرن لها خلقة ، وكذا مكسورة القرن تجزي لما روي أن سيدنا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=114631 nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه سئل عن القرن فقال : لا يضرك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن } وروي أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19346رجلا من همذان جاء إلى سيدنا nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين البقرة عن كم ؟ قال : عن سبعة ثم قال : مكسورة القرن ؟ قال : لا ضير ثم قال : عرجاء ؟ فقال : إذا بلغت المنسك ، ثم قال سيدنا nindex.php?page=showalam&ids=8علي - كرم الله وجهه - : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن } .
فإن بلغ الكسر المشاش لا تجزيه ، والمشاش : رءوس العظام مثل الركبتين والمرفقين
وتجزي الشرقاء وهي مشقوقة الأذن طولا ; وما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6325أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بالشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة } فالخرقاء هي مشقوقة الأذن والمقابلة هي التي يقطع من مقدم أذنها شيء ولا يبان بل يترك معلقا والمدابرة أن يفعل ذلك بمؤخر الأذن من الشاة ، فالنهي في الشرقاء والمقابلة والمدابرة محمول على الندب ، وفي الخرقاء على الكثير ، على اختلاف الأقاويل في حد الكثير على ما بينا ولا بأس بما فيه سمة في أذنه ; لأن ذلك لا يعد عيبا في الشاة ، ولأنه عيب يسير أو لأن السمة لا يخلو عنها الحيوان ولا يمكن التحرز عنها .
ولو
اشترى رجل أضحية وهي سمينة فعجفت عنده حتى صارت بحيث لو اشتراها على هذه الحالة لم تجزه إن كان موسرا ، وإن كان معسرا أجزأته ; لأن الموسر تجب عليه الأضحية في ذمته وإنما أقام ما اشترى لها مقام ما في الذمة فإذا نقصت لا تصلح أن تقام مقام ما في الذمة فبقي ما في ذمته بحاله .
وأما الفقير فلا أضحية في ذمته فإذا اشتراها للأضحية فقد تعينت الشاة المشتراة للقربة فكان نقصانها كهلاكها حتى لو كان الفقير أوجب على نفسه أضحية لا تجوز هذه لأنها وجبت عليه بإيجابه فصار كالغني الذي وجبت عليه بإيجاب الله - عز شأنه - .
ولو اشترى أضحية وهي صحيحة ثم أعورت عنده وهو موسر أو قطعت أذنها كلها أو أليتها أو ذنبها أو انكسرت رجلها فلم تستطع أن تمشي لا تجزي عنه ، وعليه مكانها أخرى لما بينا بخلاف الفقير .
وكذلك إن ماتت عنده أو سرقت ،
ولو قدم أضحية ليذبحها فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه ، وكذلك إذا انقلبت منه الشفرة فأصابت عينها فذهبت والقياس أن لا يجوز .
( وجه ) القياس أن هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فيها فصار كما لو كان قبل حال الذبح .
( وجه ) الاستحسان أن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه لأن الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من اضطرابها .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه قال : لو عالج أضحية ليذبحها فكسرت أو أعورت فذبحها ذلك اليوم أو من الغد فإنها تجزي ; لأن ذلك النقصان لما لم يعتد به في الحال لو ذبحها فكذا في الثاني كالنقصان اليسير ، والله - عز شأنه - أعلم .