( ومنها )
أن تكون الرقبة كاملة الرق ; لأن المأمور به تحرير رقبة مطلقا ، والتحرير تخليص عن الرق فيقتضي كون الرقبة مرقوقة مطلقة ، ونقصان الرق فوات جزء منه ، فلا تكون الرقبة مرقوقة مطلقة فلا يكون تحريرها مطلقا ، فلا يكون آتيا بالواجب ، وعلى هذا يخرج تحرير المدبر وأم الولد عن الكفارة أنه لا يجوز ; لنقصان رقهما لثبوت الحرية من وجه ، أو حق الحرية بالتدبير والاستيلاد ، حتى امتنع تمليكها بالبيع والهبة وغيرهما .
( وأما )
تحرير المكاتب عن الكفارة فجائز استحسانا ، إذا كان لم يؤد شيئا من بدل الكتابة ، والقياس أن لا يجوز وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهما الله ولو كان أدى شيئا من بدل الكتابة ، لا يجوز تحريره عن الكفارة في ظاهر الرواية ، وروى
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه يجوز ، ولو عجز عن أداء بدل الكتابة ، ثم أعتقه جاز بلا خلاف ، سواء كان أدى شيئا من بدل الكتابة أو لم يؤد .
( وجه ) القياس أن الإعتاق إزالة الملك ، وملك المولى من المكاتب زائل إذ الملك عبارة عن القدرة الشرعية على التصرفات الحسية والشرعية من الاستخدام ، والاستفراش ، والبيع ، والهبة ، والإجارة ، ونحوها ، وهذه القدرة زائلة عن المولى في حق المكاتب ، فإنه لا يملك شيئا من ذلك عليه ، والدليل أنه لو قال : كل مملوك لي حر لا يدخل فيه المكاتب ، وكذا لو وطئت المكاتبة بشبهة كان العقر لها لا للمولى وإذا جنى على المكاتب كان الأرش له لا للمولى فدل أن ملكه زائل ، فلا يجوز إعتاقه عن الكفارة ، ولهذا تسلم له الأولاد والإكساب ، ولا يسلم ذلك بالإعتاق المبتدأ فدل أن العتق يثبت بجهة الكتابة ( ولنا ) لبيان أن الملك ملك المولى النص ، ودلالة الإجماع ، والمعقول .
( أما ) النص فقول النبي : عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15254المكاتب عبد ما بقي عليه درهم } والعبد المضاف إلى العباد اسم للمملوك من بني
آدم في عرف اللغة والشرع ، ولهذا لو قال : كل عبد لي فهو حر دخل فيه المكاتب ، والله - جل وعلا - أعلم ( وأما ) دلالة الإجماع فإنه لو أدى بدل الكتابة أو أبرأه المولى عن البدل يعتق ولا عتق فيما لا يملكه ابن
آدم على لسان رسول الله .
صلى الله عليه وسلم
[ ص: 108 ] وأما ) المعقول : فهو أن الملك كان ثابتا له فيه قبل العقد ، والعارض ليس إلا لفظ الكتابة ، وليس فيه ما ينبئ عن زوال الملك ; لأن الكتابة تستعمل في الفرض والتقدير ، وفي الكتابة المعروفة وشيء من ذلك لا ينبئ عن زوال الملك فيبقى الملك على ما كان قبل العقد .
( وأما ) قوله : إن الملك هو القدرة الشرعية على التصرفات الحسية والشرعية ، وهي غير ثابتة للمولى فممنوع أن الملك هو القدرة ، بل هو اختصاص المالك بالمملوك فملك العين هو اختصاص المالك بالعين ، وكونه أحق بالعين من غيره ، ثم قد يظهر أثره في جواز التصرفات ، وقد لا يظهر مع قيامه في نفسه لقيام حق الغير في المحل حقا محترما كالمرهون والمستأجر ، وإنما لا يدخل في إطلاق قوله : كل مملوك لي فهو حر لا لخلل في الملك ; لأنه لا خلل فيه كما بينا بل لخلل في الإضافة ; لكونه حرا يدا ، فلم يدخل تحت مطلق الإضافة حتى لو نوى يدخل .
وسلامة الأولاد ، والإكساب ممنوعة في الفرع ، والرواية فيما أدى بدل الكتابة ، أو أبرأه عنها ، كذا قال أستاذ أستاذي الشيخ الإمام فخر الإسلام
علي بن محمد البزدوي ولئن سلمنا سلامة الإكساب ، والأولاد ، ولكن لم قلتم : إن السلامة تثبت حكما لثبوت العتق بجهة الكتابة السابقة ، بل تثبت حكما لثبوت العتق بالإعتاق الموجود في حال الكتابة بدليل أنه يسقط عنه بدل الكتابة ، وبدل الكتابة لا يسقط بثبوت العتق بجهة الكتابة بل يتقرر به ( وأما ) إذا كان أدى بعض بدل الكتابة فأعتقه عن الكفارة فممنوع على رواية
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه ( وأما ) التخريج على ظاهر الرواية فظاهر أيضا ; لأنه لما أدى بعض بدل الكتابة فقد حصل للمولى عوضا عن بعض رقبته فيكون في معنى الإعتاق بعوض ، وذا لا يجزئ عن التكفير ، كذا هذا والله - عز وجل - أعلم وعلى هذا يخرج ما إذا
أعتق نصف عبده عن كفارة ، ثم أعتق النصف الآخر عنها أنه يجزئه ( أما ) على أصل
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله فظاهر ; لأن إعتاق النصف إعتاق الكل ; لأن العتق لا يتجزأ فلم يتطرق إلى الرق نقصان ( وأما ) على أصل
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه فالعتق وإن كان متجزئا وحصل بإعتاق النصف الأول نقصان لكن النقصان حصل مصروفا إلى الكفارة في رق النصف الآخر لاستحقاقه حق الحرية بتخريجه إلى الإعتاق ; لأنه حين ما أعتق النصف الأول كان النصف الآخر على ملكه ، فأمكن صرف النقصان إلى الكفارة ، فصار كأنه أعتق النصف وبعض النصف الكامل وهو ما انتقص منه ، ثم أعتق البقية في المرة الثانية ، بخلاف ما إذا
أعتق نصف عبد بينه وبين آخر وهو موسر ، فضمنه صاحبه نصف قيمته ، ثم أعتق النصف الآخر إنه لا يجوز عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ; رضي الله عنه لأن إعتاق النصف الأول أوجب نقصانا في النصف الباقي ، ولا يمكن أن يجعل كأنه صرف ذلك النقصان إلى الكفارة لأنه لا ملك له في ذلك النصف فبطل قدر النقصان ، ولم يقع عن الكفارة ، ثم بعد أداء النصف الباقي صرفه إلى الكفارة ، وهو ناقص فيصير في الحقيقة معتقا عن الكفارة عبدا إلا قدر النقصان ( وأما ) على أصلهما فيجوز في المسألتين لأن العتق عندهما لا يتجزأ فكان إعتاق البعض إعتاق الكل دفعة واحدة ، فلا يتمكن نقصان الرق في الرقبة فيجوز ، ولو
أعتق عبدا حلال الدم جاز لأن حل الدم لا يوجب نقصانا في الرق فكان كامل الرق ، وإنما وجب عليه حق فأشبه العبد المديون .