بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) المزر والجعة والبتع وما يتخذ من السكر والتين ونحو ذلك فيحل شربه عند أبي حنيفة رضي الله عنه قليلا كان أو كثيرا ، مطبوخا كان أو نيئا ، ولا يحد شاربه وإن سكر .

وروي عن محمد رحمه الله أنه حرام بناء على أصله ، وهو أن ما أسكر كثيره فقليله حرام كالمثلث وقال أبو يوسف رحمه الله : ما كان من هذه الأشربة يبقى بعدما يبلغ عشرة أيام ولا يفسد فإني أكرهه ، وكذا روي عن محمد ، ثم رجع أبو يوسف عن ذلك إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه ( وجه ) قول أبي يوسف الأول أن بقاءه وعدم فساده بعد هذه المدة دليل شدته ، وشدته دليل حرمته ، ( وجه ) قول أبي حنيفة رحمه الله أن الحرمة متعلقة بالخمرية لا تثبت إلا بشدة ، والشدة لا توجد في هذه الأشربة فلا تثبت الحرمة ، والدليل على انعدام الخمرية أيضا ما روينا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { الخمر من هاتين الشجرتين } ذكر عليه الصلاة والسلام الخمر فاللام الجنس فاقتضى اقتصار الخمرية على ما يتخذ من الشجرتين وإنما لا يجب الحد وإن سكر منه ; لأنه سكر حصل بتناول شيء مباح ، وأنه لا يوجب الحد كالسكر الحاصل من تناول البنج والخبز في بعض البلاد بخلاف ما إذا سكر بشرب المثلث أنه يجب الحد ; لأن السكر هناك حصل بتناول المحظور وهو القدح الأخير .

التالي السابق


الخدمات العلمية