( فصل ) :
في الشرط الذي يرجع إلى مكان العقد وأما الذي يرجع إلى مكان العقد فواحد وهو
اتحاد المجلس .
بأن كان الإيجاب والقبول في مجلس واحد ، فإن اختلف المجلس لا ينعقد حتى لو أوجب أحدهما البيع فقام الآخر عن المجلس قبل القبول أو اشتغل بعمل آخر يوجب اختلاف المجلس ثم قبل لا ينعقد ; لأن القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين عن الآخر في المجلس ; لأنه كما وجد أحدهما انعدم في الثاني من زمان وجوده فوجد الثاني ، والأول منعدم فلا ينتظم الركن إلا أن اعتبار ذلك يؤدي إلى انسداد باب البيع فتوقف أحد الشطرين على الآخر حكما وجعل المجلس جامعا للشطرين مع تفرقهما للضرورة ، وحق الضرورة يصير مقضيا عند اتحاد المجلس ، فإذا اختلف لا يتوقف ، وهذا عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله الفور مع ذلك شرط لا ينعقد الركن بدونه .
( وجه ) قوله ما ذكرنا أن القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين عن الآخر ، والتأخير لمكان الضرورة ، وأنها تندفع بالفور .
( ولنا ) أن في ترك اعتبار الفور ضرورة ; لأن القابل يحتاج إلى التأمل ، ولو اقتصر على الفور لا يمكنه التأمل ، وعلى هذا إذا
تبايعا وهما يمشيان أو يسيران على دابتين أو دابة واحدة في محمل واحد ، فإن خرج الإيجاب والقبول منهما متصلين انعقد ، وإن كان بينهما فصل وسكوت وإن قل لا ينعقد ; لأن المجلس تبدل بالمشي والسير وإن قل ، ألا ترى أنه لو قرأ آية سجدة وهو يمشي على الأرض ، أو يسير على دابة لا يصلى عليها مرارا يلزمه لكل قراءة سجدة ؟ ، وكذا لو خير امرأته وهي تمشي على الأرض أو تسير على دابة لا يصلى عليها فمشت أو سارت ; يبطل خيارها لتبدل المجلس وإن اختارت نفسها متصلا بتخيير الزوج صح اختيارها ; لأن المجلس لم يتبدل فكذا ههنا ، ولو
تبايعا وهما واقفان انعقد لاتحاد المجلس ولو أوجب أحدهما وهما واقفان فسار الآخر قبل القبول أو سارا جميعا ثم قبل لا ينعقد ; لأنه لما سارا وسارا فقد تبدل المجلس قبل القبول ، فلم يجتمع الشطران في مجلس واحد ، ولو وقفا فخير امرأته ، ثم سار الزوج وهي واقفة فالخيار في يدها ، ولو سارت هي والزوج واقف ; بطل خيارها ، فالعبرة لمجلسها لا لمجلس الزوج .
وفي باب البيع يعتبر مجلسهما جميعا ; لأن التخيير من قبل الزوج لازم ، ألا ترى : أنه لا يملك الرجوع عنه ، فلا يبطل بالإعراض وأحد الشطرين في باب البيع لا يلزم قبل قبول الآخر ، فاحتمل البطلان بالإعراض ، ولو تبايعا وهما في سفينة ; ينعقد سواء كانت واقفة أو جارية ، خرج الشطران متصلين أو منفصلين ، بخلاف المشي على الأرض والسير على الدابة ; لأن جريان السفينة بجريان الماء لا بإجرائه ألا ترى : أن راكب السفينة لا يملك ، وقفها ، فلم يكن جريانها مضافا إليه ، فلم يختلف المجلس فأشبه البيت ، بخلاف المشي ، والسير ، أما المشي فظاهر ; لأنه فعله ، وكذا سير الدابة مضاف إليه ألا ترى : أنه لو سيرها سارت ، ولو ، وقفها ، وقفت فاختلف المجلس بسيرها ، ولهذا لو كرر آية السجدة في السفينة ، وهي جارية لا يلزمه إلا سجدة ، واحدة كما لو كررها في بيت ، واحد .
وكذا لو خير امرأته في السفينة ، وهي جارية فهي على خيارها ما لم يوجد منها دليل الإعراض ، وعلى هذا إذا
أوجب أحدهما البيع ، والآخر غائب فبلغه فقبل لا ينعقد بأن قال : بعت عبدي هذا من فلان الغائب بكذا فبلغه فقبل ، ولو قبل عنه قابل ينعقد ، والأصل في هذا أن أحد الشطرين من أحد العاقدين في باب البيع يتوقف على الآخر في المجلس ، ولا يتوقف على الشطر الآخر من العاقد الآخر فيما ، وراء المجلس بالإجماع ، إلا إذا
[ ص: 138 ] كان عنه قابل ، أو كان بالرسالة أو بالكتابة أما الرسالة فهي أن يرسل رسولا إلى رجل ، ويقول للرسول : إني بعت عبدي هذا من فلان الغائب بكذا ، فاذهب إليه ، وقل له : إن فلانا أرسلني إليك ، وقال لي : قل له : إني قد بعت عبدي هذا من فلان بكذا فذهب الرسول ، وبلغ الرسالة فقال المشتري في مجلسه ذلك : قبلت انعقد البيع ; لأن الرسول سفير ، ومعبر عن كلام المرسل ناقل كلامه إلى المرسل إليه فكأنه حضر بنفسه فأوجب البيع ، وقبل الآخر في المجلس .
وأما الكتابة فهي أن يكتب الرجل إلى رجل أما بعد فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا فبلغه الكتاب فقال في مجلسه : اشتريت ; لأن خطاب الغائب كتابه فكأنه حضر بنفسه ، وخاطب بالإيجاب ، وقبل الآخر في المجلس ، ولو كتب شطر العقد ثم رجع صح رجوعه ; لأن الكتاب لا يكون فوق الخطاب ، ولو خاطب ثم رجع قبل قبول الآخر صح رجوعه فههنا أولى ، وكذا لو أرسل رسولا ثم رجع ; لأن الخطاب بالرسالة لا يكون فوق المشافهة ، وذا محتمل للرجوع فههنا أولى ، وسواء علم الرسول رجوع المرسل أو لم يعلم به بخلاف ما إذا وكل إنسانا ثم عزله بغير علمه لا يصح عزله ; لأن الرسول يحكي كلام المرسل ، وينقله إلى المرسل إليه فكان سفيرا ، ومعبرا محضا فلم يشترط علم الرسول بذلك .
فأما الوكيل فإنما يتصرف عن تفويض الموكل إليه فشرط علمه بالعزل صيانة له عن التعزير على ما نذكره في كتاب الوكالة ، وكذا هذا في الإجارة ، والكتابة أن اتحاد المجلس شرط للانعقاد ، ولا يتوقف أحد الشطرين من أحد العاقدين على وجود الشطر الآخر إذا كان غائبا ; لأن كل ، واحد منهما عقد معاوضة إلا إذا كان عن الغائب قابل أو بالرسالة أو بالكتابة كما في البيع .