( فصل ) :
وأما شرائط الأركان فجملة الكلام في الشرائط أنها نوعان : نوع يعم المنفرد والمقتدي جميعا ، وهو شرائط أركان الصلاة ونوع يخص المقتدي ، وهو شرائط جواز الاقتداء بالإمام في صلاته .
( أما )
شرائط أركان الصلاة : ( فمنها ) الطهارة بنوعيها من الحقيقية والحكمية ،
والطهارة الحقيقية هي طهارة الثوب والبدن ومكان الصلاة عن النجاسة الحقيقية ، والطهارة الحكمية هي طهارة أعضاء الوضوء عن الحدث ، وطهارة جميع الأعضاء الظاهرة عن الجنابة .
( أما )
طهارة الثوب وطهارة البدن عن النجاسة الحقيقية فلقوله تعالى : {
وثيابك فطهر } ، وإذا وجب تطهير الثوب فتطهير البدن أولى .
( وأما )
الطهارة عن الحدث والجنابة فلقوله تعالى : {
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إلى قوله : {
ليطهركم } .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30832لا صلاة إلا بطهور } ، وقوله عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30831لا صلاة إلا بطهارة } وقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35203مفتاح الصلاة الطهور } .
وقوله تعالى : {
وإن كنتم جنبا فاطهروا } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16643تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة } ، والإنقاء هو التطهير ، فدلت النصوص على أن الطهارة الحقيقية عن الثوب والبدن ، والحكمية شرط جواز الصلاة ، والمعقول كذا يقتضي من وجوه : أحدها - أن الصلاة خدمة الرب وتعظيمه - جل جلاله - وعم نواله - ، وخدمة الرب وتعظيمه بكل الممكن فرض ، ومعلوم أن القيام بين يدي الله - تعالى - ببدن طاهر وثوب طاهر على مكان طاهر يكون أبلغ في التعظيم وأكمل في الخدمة من القيام ببدن نجس وثوب نجس وعلى مكان نجس ، كما في خدمة المملوك في الشاهد ، وكذلك الحدث والجنابة ، وإن لم تكن نجاسة مرئية فهي نجاسة معنوية توجب استقذار ما حل به ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يصافح
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان رضي الله عنه امتنع وقال : إني جنب يا رسول الله ، فكان قيامه مخلا بالتعظيم ؟ على أنه إن لم يكن على أعضاء الوضوء نجاسة رأسا فإنها لا تخلو عن الدرن والوسخ ; لأنها أعضاء بادية عادة فيتصل بها الدرن والوسخ ، فيجب غسلها تطهيرا لها من الوسخ ، والدرن فتتحقق الزينة والنظافة ، فيكون أقرب إلى التعظيم وأكمل في الخدمة ، فمن أراد أن يقوم بين يدي الملوك للخدمة في الشاهد أنه يتكلف للتنظيف والتزيين ، ويلبس أحسن ثيابه تعظيما للملك .
ولهذا كان الأفضل للرجل أن يصلي في أحسن ثيابه وأنظفها التي أعدها لزيارة العظماء ،
[ ص: 115 ] ولمحافل الناس ، وكانت
الصلاة متعمما أفضل من الصلاة مكشوف الرأس ، لما أن ذلك أبلغ في الاحترام والثاني - أنه أمر بغسل هذه الأعضاء الظاهرة من الحدث والجنابة تذكيرا لتطهير الباطن من الغش والحسد والكبر وسوء الظن بالمسلمين ونحو ذلك من أسباب المآثم ، فأمر لا لإزالة الحدث تطهيرا ; لأن قيام الحدث لا ينافي العبادة والخدمة في الجملة ألا ترى أنه يجوز أداء الصوم والزكاة مع قيام الحدث والجنابة ؟ وأقرب من ذلك الإيمان بالله - تعالى - الذي هو رأس العبادات ، وهذا لأن الحدث ليس بمعصية ولا سبب مأثم ، وما ذكرنا من المعاني التي في باطنه أسباب المآثم ، فأمر بغسل هذه الأعضاء الظاهرة دلالة وتنبيها على تطهير الباطن من هذه الأمور ، وتطهير النفس عنها واجب بالسمع والعقل والثالث - أنه وجب غسل هذه الأعضاء شكرا لنعمة وراء النعمة التي وجبت لها الصلاة ، وهي أن هذه الأعضاء وسائل إلى استيفاء نعم عظيمة ، بل بها تنال جل نعم الله - تعالى - فاليد بها يتناول ويقبض ما يحتاج إليه ، والرجل يمشي بها إلى مقاصده ، والوجه والرأس محل الحواس ومجمعها التي بها يعرف عظم نعم الله - تعالى - من العين والأنف والفم والأذن ، التي بها البصر والشم والذوق والسمع ، التي بها يكون التلذذ والتشهي والوصول إلى جميع النعم ، فأمر بغسل هذه الأعضاء شكرا لما يتوسل بها إلى هذه النعم والرابع - أمر بغسل هذه الأعضاء تكفيرا لما ارتكب بهذه الأعضاء من الإجرام ، إذ بها يرتكب جل المآثم من أخذ الحرام ، والمشي إلى الحرام ، والنظر إلى الحرام ، وأكل الحرام ، وسماع الحرام من اللغو والكذب ، فأمر بغسلها تكفيرا لهذه الذنوب .
وقد وردت الأخبار بكون الوضوء تكفيرا للمآثم فكانت مؤيدة لما قلنا .