بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولا بيع المدبر المطلق - عندنا - وقال الشافعي - عليه الرحمة - : " بيع المدبر جائز " واحتج بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام أجاز بيع المدبر وعن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها دبرت مملوكة لها فغضبت عليها فباعتها ; ولأن التدبير تعليق العتق بالموت ، والمعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط ، فلم يكن العتق ثابتا أصلا قبل الموت ، فيجوز بيعه كما إذا علق عتق عبده بدخول الدار ، ونحو ذلك ثم باعه قبل أن يدخل الدار ، وكما في المدبر المقيد .

( ولنا ) ما روى أبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام { نهى عن بيع المدبر } ومطلق النهي محمول على التحريم وروي عن عبد الله ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : { المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث } .

وهذا نص في الباب ; ولأنه حر من وجه ، فلا يجوز بيعه كأم الولد ، والدليل على أنه حر من وجه : الاستدلال بضرورة الإجماع ، وهو أنه يعتق بعد الموت بالإجماع ، والحرية لا بد لها من سبب ، وليس ذلك إلا الكلام السابق ، وليس هو بتحرير بعد الموت ; لأن التحرير فعل اختياري ، وأنه لا يتحقق من الميت فكان تحريرا من حين وجوده ، فكان ينبغي أن تثبت به الحرية من كل وجه للحال إلا أنها تأخرت من وجه إلى آخر جزء من أجزاء حياته بالإجماع ، ولا إجماع على التأخير من وجه فبقيت الحرية من وجه ثابتة للحال فلا يكون مالا مطلقا ، فلا يجوز بيعه .

وحديث جابر وسيدتنا عائشة رضي الله عنهما حكاية فعل يحتمل أنه - أجاز عليه الصلاة والسلام بيع مد مقيدا أو باع مدبرا مقيدا ، ويحتمل أن يكون المراد منه الإجارة ; لأن الإجارة بلغة أهل المدينة تسمى بيعا ويحتمل أنه كان في ابتداء الإسلام حين كان بيع المدبر مشروعا ثم نسخ فلا يكون حجة مع الاحتمال .

( وأما ) المدبر المقيد فهناك لا يمكن أن يجعل الكلام السابق إيجابا من حين وجوده ; لأنه علق عتقه بموت موصوف بصفة ، واحتمل أن يموت من ذلك المرض والسفر أو لا ، فكان الخطر قائما فكان تعليقا ، فلم يكن إيجابا ما دام الخطر قائما ومتى اتصل به الموت يظهر أنه كان تحريرا من وجه من حين وجوده لكن لا يتعلق به حكم والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية