( ومنها ) أن يكون موجودا من وقت العقد إلى وقت الأجل فإن لم يكن موجودا عند العقد أو عند محل الأجل ، أو كان موجودا فيهما لكنه انقطع من أيدي الناس فيما بين ذلك كالثمار والفواكه واللبن وأشباه ذلك لا يجوز السلم ، وهذا عندنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : الشرط وجوده عند محل الأجل لا غير .
( وجه ) قوله : إن اعتبار هذا الشرط - وهو الوجود - ليس لعينه بل للقدرة على التسليم فيعتبر وقت وجوب التسليم وذلك عند محل الأجل ، فأما قبل ذلك فالوجود فيه والعدم بمنزلة واحدة ، ونظير هذا في العقليات ما قلنا في استطاعة الفعل أنها مع الفعل لا تتقدمه ; لأن وجودها للفعل فيجب وجودها عند الفعل لا سابقا عليه كذا هذا .
( ولنا ) أن القدرة على التسليم ثابتة للحال ، وفي وجودها عند المحل شك لاحتمال الهلاك ، فإن بقي حيا إلى وقت المحل ثبتت القدرة ، وإن هلك قبل ذلك لا تثبت ، والقدرة لم تكن ثابتة فوقع الشك في ثبوتها فلا تثبت مع الشك ، ولو كان موجودا عند العقد ودام وجوده إلى محل الأجل فحل الأجل ولم يقبضه حتى انقطع عن أيدي الناس لا ينفسخ السلم بل هو على حاله صحيح ; لأن السلم وقع صحيحا لثبوت القدرة على التسليم لكون المسلم فيه موجودا وقت العقد ودام وجوده إلى محل الأجل ، إلا أنه عجز عن التسليم للحال لعارض الانقطاع مع عرضية حدوث القدرة ظاهرا بالوجود فكان في بقاء العقد فائدة ، والعقد إذا انعقد صحيحا يبقى لفائدة محتملة الوجود والعدم على السواء كبيع الآبق إذا أبق قبل القبض فلأن يبقى لفائدة عود القدرة في الثاني ظاهرا أولى ، لكن يثبت الخيار لرب السلم ، إن شاء فسخ العقد وإن شاء انتظر وجوده ; لأن الانقطاع قبل القبض بمنزلة تغير المعقود عليه قبل القبض وأنه يوجب الخيار .
ولو
أسلم في حنطة حديثة قبل حدوثها لا يصح عندنا ; لأنه أسلم في المنقطع ، وعلى هذا يخرج ما إذا
أسلم في حنطة موضع أنه إن كان مما لا يتوهم انقطاع طعامه جاز السلم فيه كما إذا أسلم في حنطة
خراسان والعراق أو
فرغانة ; لأن كل واحد منها اسم لولاية فلا يتوهم انقطاع طعامها ، وكذا إذا
أسلم في طعام بلدة كبيرة كسمرقند وبخارى أو
كاشان جاز ; لأنه لا ينفد طعام هذه البلاد إلا على سبيل الندرة ، والنادر ملحق بالعدم ومن مشايخنا من قال : لا يجوز إلا في طعام ولاية ; لأن وهم الانقطاع فيما وراء ذلك ثابت .
والسلم عقد جوز بخلاف القياس لكونه بيع المعدوم فتجب صيانته عن غرر الانقطاع ما أمكن ، والصحيح أن الموضع المضاف إليه الطعام ، وإن كان مما لا ينفد طعامه غالبا : يجوز السلم فيه ، سواء كان ولاية أو بلدة كبيرة ; لأن الغالب في أحكام الشرع ملحق بالمتيقن ، وإن كان مما لا يحتمل أن ينقطع طعامه فلا يجوز فيه السلم كأرض بعينها أو قرية بعينها ; لأنه إذا احتمل الانقطاع لا على سبيل الندرة لا تثبت القدرة على التسليم لما ذكرنا أنه لا قدرة له للحال ; لأنه بيع المفاليس ، وفي ثبوت القدرة عند محل الأجل شك لاحتمال الانقطاع فلا تثبت القدرة مع الشك .
وقد روي أن
زيد بن شعبة {
لما أراد أن يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسلم إليك في تمر نخلة بعينها فقال عليه الصلاة والسلام : أما في تمر نخلة [ ص: 212 ] بعينها فلا } وذكر في الأصل إذا
أسلم في حنطة هراة لا يجوز وأراد قرية من قرى الفرات المسماة بهراة ; لأنه مما يحتمل انقطاع طعامه ، ثم لو
أسلم في ثوب هراة وذكر شرائط السلم يجوز .
( ووجه ) الفرق بينهما ظاهر ; لأن إضافة الثوب إلى هراة ذكر شرط من شرائط السلم لا جواز له بدونه ، وهو بيان النوع لا تخصيص الثوب بالمكان المذكور بدليل أن المسلم إليه لو أتى بثوب نسج في غير هراة لكن على صفة ثوب هراة يجبر رب السلم على القبول ، فإذا ذكر النوع وذكر الشرائط الأخر كان هذا عقدا استجمع شرائطه فيجوز ، فأما إضافة الطعام إلى هراة فليس يفيد شرطا - لا جواز للسلم بدونه - ، ألا ترى أنه لو ترك الإضافة أصلا جاز السلم فبقيت الإضافة لتخصيص الطعام بموضع معين يحتمل انقطاع طعامه فلم يجز ، والله عز وجل أعلم .