بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو كان المبيع طعاما فأكله المشتري أو ثوبا فلبسه حتى تخرق لم يرجع بالنقصان في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد يرجع ( وجه ) قولهما أن أكل الطعام ولبس الثوب استعمال الشيء فيما وضع له وأنه انتفاع لا إتلاف ، بخلاف القتل فإنه إزالة الحياة في حق القاتل فكان حبسا وإمساكا ( وجه ) قول أبي حنيفة - عليه الرحمة - أن المشتري بأكل الطعام ولبس الثوب أخرجهما عن ملكه حقيقة إذ الملك فيهما ثبت مطلقا لا مؤقتا بخلاف العبد فأشبه القتل ولو استهلك الطعام أو الثوب بسبب آخر وراء الأكل واللبس ثم وجد به عيبا لم يرجع بالنقصان بلا خلاف ; لأن استهلاكهما في غير ذلك الوجه إبطال محض فيشبه القتل ولو أكل بعض الطعام ثم وجد به عيبا ليس له أن يرد الباقي ولا أن يرجع بالنقصان عند أبي حنيفة ; لأن الطعام كله شيء واحد بمنزلة العبد ، وقد امتنع رد بعضه بمعنى من قبل المشتري فيبطل حقه أصلا في الرد والرجوع ، كما لو باع بعض الطعام دون بعض .

وروي عن أبي يوسف أنه قال : يرد الباقي ويرجع بأرش الكل المأكول والباقي إلا إذا رضي البائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن وروي عن محمد أنه قال : يرد الباقي ويرجع بنقصان العيب فيما أكل ; لأنه ليس في تبعيض الطعام ضرر فيمكن رد البعض فيه دون البعض ، وليس للبائع أن يمتنع عن ذلك ، وبه كان يفتي الفقيه أبو جعفر ، وهو اختيار الفقيه أبي الليث باع بعض الطعام دون البعض لم يرد الباقي ولا يرجع بالنقصان عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر يرد الباقي ويرجع بنقصان العيب إلا إذا رضي البائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ( وجه ) قول زفر أن امتناع الرد والرجوع بالنقصان لأجل البيع وأنه وجد في البعض دون البعض فيمتنع في البعض دون البعض ; لأن الأصل أن يكون الامتناع بقدر المانع .

( ولنا ) ما ذكرنا أن الطعام كله شيء واحد كالعبد فالامتناع في البعض لمعنى من قبل المشتري يوجب الامتناع في الكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية