بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما بيان وقت الأذان والإقامة فوقتهما ما هو وقت الصلوات المكتوبات ، حتى لو أذن قبل دخول الوقت لا يجزئه ويعيده إذا دخل الوقت في الصلوات كلها في قول أبي حنيفة ومحمد .

وقد قال أبو يوسف : أخيرا لا بأس بأن يؤذن للفجر في النصف الأخير من الليل ، وهو قول الشافعي .

( واحتجا ) بما روى سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه أن بلالا كان يؤذن بليل ، وفي رواية قال : { لا يغرنكم أذان بلال عن السحور فإنه يؤذن بليل } ; ولأن وقت الفجر مشتبه ، وفي مراعاته بعض الحرج بخلاف سائر الصلوات .

ولأبي حنيفة ومحمد ما روى شداد مولى عياض بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال { لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا } ، ومد يده عرضا ; ولأن الأذان شرع للإعلام بدخول الوقت ، والإعلام بالدخول قبل الدخول كذب ، وكذا هو من باب الخيانة في الأمانة ، والمؤذن مؤتمن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا لم يجز في سائر الصلوات ; ولأن الأذان قبل الفجر [ ص: 155 ] يؤدي إلى الضرر بالناس ; لأن ذلك وقت نومهم خصوصا في حق من تهجد في النصف الأول من الليل ، فربما يلتبس الأمر عليهم ، وذلك مكروه .

وروي أن الحسن البصري كان إذا سمع من يؤذن قبل طلوع الفجر قال : علوج فراغ لا يصلون إلا في الوقت ، لو أدركهم عمر لأدبهم ، وبلال رضي الله عنه ما كان يؤذن بليل لصلاة الفجر بل لمعان أخر ، لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يمنعنكم من السحور أذان بلال فإنه يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرد قائمكم ويتسحر صائمكم ، فعليكم بأذان ابن أم مكتوم } .

وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم فرقتين : فرقة يتهجدون في النصف الأول من الليل ، وفرقة في النصف الأخير ، وكان الفاصل أذان بلال ، والدليل على أن أذان بلال كان لهذه المعاني لا لصلاة الفجر أن ابن أم مكتوم كان يعيده ثانيا بعد طلوع الفجر ، وما ذكر من المعنى غير سديد ; لأن الفجر الصادق المستطير في الأفق مستبين لا اشتباه فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية