بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
، وثمرة هذا الاختلاف إذا تقايلا ولم يسميا الثمن الأول أو سميا زيادة على الثمن الأول أو أنقص من الثمن الأول ، أو سميا جنسا آخر سوى الجنس الأول قل أو كثر أو أجلا الثمن الأول فالإقالة على الثمن الأول في قول أبي حنيفة رحمه الله : وتسمية الزيادة والنقصان والأجل والجنس الآخر باطلة سواء كانت الإقالة قبل القبض أو بعدها ، والمبيع منقول أو غير منقول [ ص: 307 ] لأنها فسخ في حق العاقدين ، والفسخ رفع العقد ، والعقد رفع الثمن الأول فيكون فسخه بالثمن الأول ضرورة ; لأنه فسخ ذلك العقد ، وحكم الفسخ لا يختلف بين ما قبل القبض وبين ما بعده وبين المنقول وغير المنقول ، وتبطل تسمية الزيادة والنقصان والجنس الآخر والأجل ، وتبقى الإقالة صحيحة ; لأن إطلاق تسمية هذه الأشياء لا يؤثر في الإقالة ; لأن الإقالة لا تبطلها الشروط الفاسدة وبخلاف البيع ; لأن الشرط الفاسد إنما يؤثر في البيع ; لأنه يمكن الربا فيه .

والإقالة رفع البيع فلا يتصور تمكن الربا فيه فهو الفرق بينهما ، وفي قول أبي يوسف إن كان بعد القبض فالإقالة على ما سميا ; لأنها بيع جديد كأنه باعه فيه ابتداء ، وإن كان قبل القبض والمبيع عقارا فكذلك ; لأنه يمكن جعله بيعا ; لأن بيع العقار قبل القبض جائز عنده وإن كان منقولا فالإقالة فسخ ; لأنه لا يمكن جعلها بيعا لأن بيع المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز .

وروي عن أبي يوسف أن الإقالة بيع على كل حال فكل ما لا يجوز بيعه لا تجوز إقالته فعلى هذه الرواية لا تجوز الإقالة عنده في المنقول قبل القبض ; لأنه لا يجوز بيعه ، وعند محمد إن كان قبل القبض فالإقالة تكون على الثمن الأول ، وتبطل تسمية الزيادة على الثمن الأول ، والجنس الآخر والنقصان والأجل يكون فسخا كما قاله أبو حنيفة رحمه الله ; لأنه لا يمكن جعلها قبل القبض بيعا لكن بيع المبيع قبل القبض لا يجوز عنده منقولا كان أو عقارا .

وإن كان بعد القبض فإن تقايلا من غير تسمية الثمن أصلا ، أو سميا الثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان أو نقصا عن الثمن الأول فالإقالة على الثمن الأول وتبطل تسمية النقصان وتكون فسخا أيضا كما قال أبو حنيفة رحمه الله : إنها فسخ في الأصل ولا مانع من جعلها فسخا فتجعل فسخا وإن تقايلا عن الزيادة أو على الثمن الأول أو على جنس آخر سوى جنس الثمن الأول قل أو كثر فالإقالة على ما سميا ويكون بيعا عنده ; لأنه لا يمكن جعلها فسخا ههنا ; لأن من شأن الفسخ أن يكون بالثمن الأول وإذا لم يمكن جعلها فسخا تجعل بيعا بما سميا بخلاف ما إذا تقايلا على أنقص من الثمن الأول أن الإقالة تكون بالثمن الأول عنده ، وتجعل فسخا ولا تجعل بيعا عنده لأن هذا سكوت عن نقص الثمن وذلك نقص الثمن ، والسكوت عن النقص لا يكون أعلى من السكوت عن الثمن الأول وهناك يجعل فسخا لا بيعا فههنا أولى والله عز وجل أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية