: ( وأما )
التوكيل بالشراء فالجواب عنه من وجهين " أحدهما " أن جوازه ثبت على خلاف القياس ، لكونه أمرا بالتصرف في مال غيره ، وذكر الثمن فيه تبع ، ألا ترى أنه يصح بدون ذكر الثمن ، إلا أنه جوز باعتبار الحاجة إذ كل أحد لا يتهيأ له أن يشتري بنفسه فيحتاج إلى من يوكل به غيره ، والحاجة إلى التوكيل بالشراء بثمن جرى التعارف بشراء مثله بمثله فينصرف الأمر بمطلق الشراء إليه ألبتة .
الثاني المشتري متهم بهذا الاحتمال : أنه يشتري لنفسه فلما تبين فيه الغبن أظهر الشراء للموكل ، ومثل هذه التهمة في البيع منعدمة فهو الفرق ، وكذلك يملك البيع بغير الأثمان المطلقة عنده ، وعندهما لا يملك .
وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - .
ويملك البيع بالنقد والنسيئة عنده ، وعندهما لا يملك إلا بالنقد .
والحجج من الطرفين على نحو ما ذكرنا في البيع بغبن فاحش
ولو باع الوكيل بعض ما وكل ببيعه فهو على وجهين : إما أن كان ذلك مما لا ضرر في تبعيضه ، كالمكيل والموزون بأن كان وكيلا ببيع عبدين فباع أحدهما ; جاز بالإجماع وإن كان في تبعيضه ضرر بأن وكله ببيع عبد فباع نصفه جاز عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : - رحمه الله - ، وعندهما لا يجوز إلا بإجازة
[ ص: 28 ] الموكل أو ببيع النصف الباقي .
ولو كان وكيلا بالشراء فاشترى نصفه لم يلزم الآمر إجماعا .
إلا أنه يشتري الباقي ويجيزه الموكل .
( وجه ) قولهما الجمع بين الشراء والبيع بجامع ، وهو العرف والعادة ووجوب دفع الضرر الحاصل بالشركة في الأعيان ;
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة الفرق بين البيع والشراء على ما مر .
ألا يرى أن عنده لو باع الكل بهذا القدر من الثمن يجوز فلأن يجوز بيع البعض به أولى ; لأنه نفع موكله حيث أمسك البعض على ملكه وبهذا فارق الشراء ; لأن الوكيل بالشراء إذا اشترى النصف بثمن الكل لا يجوز ، والوكيل بالبيع يملك إبراء المشتري عن الثمن ; وله أن يؤخره عنه ، وله أن يأخذ به عوضا ، وله أن يصالح على شيء ويحتال به على إنسان ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد : لا يملك شيئا من ذلك .
( وجه ) قولهما أن
الوكيل بالإبراء ، وأخواته تصرف في ملك الموكل من غير إذنه فلا ينفذ عليه كما لو فعلها أجنبي ( وجه ) قوله أنه تصرف في حق نفسه بالإبراء ; لأن قبض الثمن حقه ، فكان الإبراء عن الثمن إبراء عن قبضه تصحيحا لتصرفه بقدر الإمكان .
ولو أسقط حق القبض لسقط الدين ضرورة ; لأنه لو بقي لبقي دينا لا يحتمل القبض أصلا ، وهذا مما لا نظير له في أصول الشرع ; ولأن دينا لا يحتمل القبض ، والاستيفاء بوجه لا يفيد فيسقط ضرورة ويضمن الثمن للموكل ; لأنه وإن تصرف في حق نفسه ، لكنه تعدى إلى ملك غيره بالإتلاف فيجب عليه الضمان ، وكذا إذا أخذ بالثمن عوضا عن المشتري ; لأنه ملك منه القبض الذي هو حقه فيصح ، ومتى ملك ذلك فيملك رقبة الدين ضرورة بما أخذه من العوض ; ويضمن لما ذكرنا ; وكذا إذا صالحه على شيء ; لأن الصلح مبادلة ; وكذا إذا أحاله المشتري بالثمن على إنسان وقبل الوكيل الحوالة ; لأنه بقبول الحوالة تصرف في حق نفسه بالإبراء عنه ; لأن الحوالة مبرئة وذلك يوجب سقوط الدين عن المحيل فيه لما ذكرنا ويضمن لما قلنا وكذلك تأخير الدين من الوكيل ، تأخير حق المطالبة والقبض وأنه صادف حق نفسه فيصح لكنه تعدى إلى الموكل بثبوت الحيلولة بينه وبين ملكه فيضمن وليس للوكيل بالبيع أن يوكل غيره ; لأن مبنى الوكالة على الخصوص ; لأن الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قبل الموكل فيملك قدر ما أفاده ، ولا يثبت العموم إلا بلفظ يدل عليه ، وهو قوله : اعمل فيه برأيك وغير ذلك مما يدل على العموم ، فإن وكل غيره بالبيع فباع الثاني بحضرة الأول جاز ، وإن باع بغير حضرته لا يجوز إلا أن يجيزه الأول أو الموكل ، وكذا إذا باعه فضولي فبلغ الوكيل أو الموكل ، فأجاز يجوز هذا عند
أصحابنا الثلاثة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر : لا يجوز بيع الوكيل الثاني سواء كان بحضرة الوكيل الأول أو لم يكن بحضرته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى : يجوز كيفما كان والصحيح قول
أصحابنا الثلاثة ; لأن عبارة الوكيل ليست مقصود الموكل ، بل المقصود رأيه .
فإذا باع الثاني بحضرته فقد حصل التصرف برأيه فنفذ وإذا باعه لا بحضرته أو باع فضولي ، فقد خلا التصرف عن رأيه فلا ينفذ ولكنه ينعقد موقوفا على إجازة الوكيل أو الموكل لصدور التصرف من أهله في محله ، وليس للوكيل بالبيع أن يبيع من نفسه ; لأن الحقوق تتعلق بالعاقد فيؤدي إلى أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلما ومتسلما ، مطالبا ومطالبا وهذا محال ، وكذا لا يبيع من نفسه ، وإن أمره الموكل بذلك لما قلنا ; ولأنه متهم في ذلك وليس له أن يبيع من أبيه وجده وولده وولد ولده الكبار وزوجته عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعندهما يجوز ذلك بمثل القيمة وأجمعوا على أنه لا يجوز أن يبيع من عبده ومكاتبه .
( وجه ) قولهما أن البيع من هؤلاء ومن الأجنبي سواء ; لأن كل واحد منهما يملكه أجنبي من صاحبه ثم لا يملك البيع من نفسه
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة أن البيع من هؤلاء بيع من نفسه من حيث المعنى لاتصال منفعة ملك كل واحد منهما بصاحبه ، ثم لا يملك البيع من نفسه ، فلا يملكه من هؤلاء بخلاف الأجنبي ، ولهذا لا يملك البيع من عبده ومكاتبه ; لأن البيع من عبده بيع من نفسه ; لأنه لا ملك له ، وكذا المكاتب ; لأنه عبد ما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كذا هذا يحققه أن اتصال منافع الأملاك بينهما تورث التهمة ، لهذا لم تقبل شهادة أحدهما لصاحبه بخلاف الأجنبي ولو عمم التوكيل فقال : اصنع ما شئت ، أو بع من هؤلاء ، أو أجاز ما صنعه الوكيل ، جاز بيعه بالاتفاق .
ولا يجوز أن يبيع من نفسه أو من ولده الصغير أو من عبده إذا لم يكن عليه دين يحال الوكيل بالبيع مطلقا يملك البيع الصحيح ، والفاسد ; لأن اسم البيع يقع على كل واحد من النوعين إذ هو مبادلة شيء مرغوب
[ ص: 29 ] بشيء مرغوب ، وقد وجد بخلاف الوكيل بالنكاح مطلقا ، أنه لا يملك النكاح الفاسد ; لأن المقصود من النكاح الحل ، والنكاح الفاسد لا يفيد الحل والمقصود من البيع الملك ، وأنه يثبت بالبيع الفاسد .