( وأما )
شركة العنان فلا يراعى لها شرائط المفاوضة فلا يشترط فيها أهلية الكفالة حتى تصح ممن لا تصح كفالته من الصبي المأذون والعبد المأذون والمكاتب ولا المساواة بين رأسي المال ، فيجوز مع تفاضل الشريكين في رأس المال ومع أن يكون لأحدهما مال آخر يجوز عقد الشركة عليه سوى رأس ماله الذي شاركه صاحبه فيه ، ولا أن يكون في عموم التجارات بل يجوز عاما وهو أن يشتركا في عموم التجارات ، وخاصا وهو أن يشتركا في شيء خاص كالبز والخز والرقيق والثياب ونحو ذلك ; لأن اعتبار هذه الشرائط في المفاوضات لدلالة اللفظ عليها وهو معنى المساواة ولم يوجد في العنان ولا لفظة المفاوضة ; لأن اعتبارها في المفاوضة لدلالتها على شرائط مختصة بالمفاوضة ، ولم يشترط في العنان فلا حاجة إلى لفظة المفاوضة ولا إلى لفظة العنان أيضا ; لأن كل أحد يقدر على لفظ يؤدي معناه بخلاف المفاوضة ولا المساواة في الربح ، فيجوز متفاضلا ومتساويا لما قلنا ، والأصل أن الربح إنما يستحق عندنا إما بالمال وإما بالعمل وإما بالضمان ، أما ثبوت الاستحقاق بالمال فظاهر ; لأن الربح نماء رأس المال فيكون لمالكه ، ولهذا استحق رب المال الربح في المضاربة وأما بالعمل ، فإن المضارب يستحق الربح بعمله فكذا الشريك .
وأما بالضمان فإن المال إذا صار مضمونا على المضارب يستحق جميع الربح ، ويكون ذلك بمقابلة الضمان خراجا بضمان بقول النبي عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14150الخراج بالضمان } ، فإذا كان ضمانه عليه كان خراجه له ، والدليل عليه أن صانعا تقبل عملا بأجر ثم لم يعمل بنفسه ، ولكن قبله لغيره بأقل من ذلك طاب له الفضل ، ولا سبب لاستحقاق الفضل إلا الضمان ، فثبت أن كل واحد منهما سبب صالح لاستحقاق الربح ، فإن لم يوجد شيء من ذلك لا يستحق بدليل أن من قال لغيره : تصرف في ملكك على أن لي بعض ربحه ; لم يجز ، ولا يستحق شيئا من الربح لأنه لا مال ولا عمل ولا ضمان ، إذا عرف هذا فنقول : إذا شرطا الربح على قدر المالين متساويا أو متفاضلا ، فلا شك أنه يجوز ويكون الربح بينهما على الشرط سواء شرطا العمل عليهما أو على أحدهما والوضيعة على قدر المالين متساويا ومتفاضلا ; لأن الوضيعة اسم لجزء هالك من المال فيتقدر بقدر المال ، وإن كان المالان متساويين فشرطا لأحدهما فضلا على ربح ينظر إن شرطا العمل عليهما جميعا جاز ، والربح بينهما على الشرط في قول
أصحابنا الثلاثة ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر لا يجوز أن يشترط لأحدهما أكثر من ربح ماله وبه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ولا خلاف في شركة الملك أن الزيادة فيها تكون على قدر المال حتى لو شرط الشريكان في ملك ماشية لأحدهما فضلا من أولادها وألبانها ، لم تجز بالإجماع والكلام بيننا وبين
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر بناء على أصل ، وهو أن الربح عنده لا يستحق إلا بالمال ; لأنه نماء الملك فيكون على قدر المال كالأولاد والألبان .
( وأما ) عندنا فالربح تارة يستحق بالمال وتارة بالعمل وتارة بالضمان على ما بينا ، وسواء عملا جميعا أو عمل أحدهما دون الآخر ، فالربح بينهما يكون على
[ ص: 63 ] الشرط ; لأن
استحقاق الربح في الشركة بالأعمال بشرط العمل لا بوجود العمل ، بدليل أن المضارب إذا استعان برب المال استحق الربح ، وإن لم يوجد منه العمل ; لوجود شرط العمل عليه ، والوضيعة على قدر المالين ; لما قلنا ، وإن شرطا العمل على أحدهما ، فإن شرطاه على الذي شرطا له فضل الربح ; جاز ، والربح بينهما على الشرط فيستحق ربح رأس ماله بماله والفضل بعمله ، وإن شرطاه على أقلهما ربحا لم يجز ; لأن الذي شرطا له الزيادة ليس له في الزيادة مال .
ولا عمل ولا ضمان ; وقد بينا أن الربح لا يستحق إلا بأحد هذه الأشياء الثلاثة وإن كان المالان متفاضلين ، وشرطا التساوي في الربح فهو على هذا الخلاف أن ذلك جائز عند
أصحابنا الثلاثة إذا شرطا العمل عليهما ، وكان زيادة الربح لأحدهما على قدر رأس ماله بعمله ، وأنه جائز ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر لا يجوز ولا بد أن يكون
قدر الربح على قدر رأس المالين عنده ، وإن شرطا العمل على أحدهما فإن شرطاه على الذي رأس ماله أقل ; جاز ، ويستحق قدر ربح ماله بماله والفضل بعمله ، وإن شرطاه على صاحب الأكثر لم يجز ; لأن زيادة الربح في حق صاحب الأقل لا يقابلها مال ولا عمل ولا ضمان .
( وأما ) العلم بمقدار رأس المال وقت العقد فليس بشرط لجواز الشركة بالأموال عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله شرط ( وجه ) قوله أن جهالة قدر رأس المال تؤدي إلى
جهالة الربح ، والعلم بمقدار الربح شرط جواز هذا العقد ، فكان العلم بمقدار رأس المال شرطا .
( ولنا ) أن الجهالة لا تمنع جواز العقد لعينها بل لإفضائها إلى المنازعة ، وجهالة رأس المال وقت العقد لا تفضي إلى المنازعة ; لأنه يعلم مقداره ظاهرا وغالبا ; لأن الدراهم والدنانير توزنان وقت الشراء ، فيعلم مقدارها فلا يؤدي إلى جهالة مقدار الربح وقت القسمة .