( وأما ) الذي يستحقه المضارب بالعمل فالذي يستحقه بعمله في مال المضاربة شيئان ، أحدهما : النفقة والكلام في النفقة في مواضع في وجوبها ، وفي شرط الوجوب ، وفيما فيه النفقة ، وفي تفسير النفقة وفي قدرها وفيما تحتسب النفقة منه .
( أما ) الوجوب فلأن الربح في باب المضاربة يحتمل الوجود والعدم ، والعاقل لا يسافر بمال غيره لفائدة تحتمل الوجود والعدم ، مع تعجيل النفقة من مال نفسه ، فلو لم تجعل نفقته من مال المضاربة لامتنع الناس من قبول المضاربات مع مساس الحاجة إليها ، فكان إقدامهما على هذا العقد ، والحال ما وصفنا إذنا من رب المال للمضارب بالإنفاق من مال المضاربة ، فكان مأذونا في الإنفاق دلالة ، فصار كما لو أذن له به نصا ، ولأنه يسافر لأجل المال على سبيل التبرع ولا ببدل واجب له لا محالة ، فتكون نفقته في المال بخلاف المبضع لا يسافر بمال الغير على وجه التبرع ، وبخلاف الأجير ; لأنه يعمل ببدل لازم في ذمة المستأجر لا محالة فلا يستحق النفقة وهكذا روى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في الشريك إذا سافر بالمال ، أنه ينفق من المال كالمضارب .
( وأما ) شرط الوجوب فخروج المضارب بالمال من المصر الذي أخذ المال منه مضاربة ، سواء كان المصر مصره أو لم يكن ، فما دام يعمل به في ذلك المصر فإن نفقته في مال نفسه لا في مال المضاربة ، وإن أنفق شيئا منه ضمن ; لأن دلالة الإذن لا تثبت في المصر ، وكذا إقامته في الحضر لا تكون لأجل المال ; لأنه كان مقيما قبل ذلك فلا يستحق النفقة ما لم يخرج من ذلك المصر ، سواء كان خروجه بالمال مدة سفر أو أقل من ذلك ، حتى لو خرج من المصر يوما أو يومين فله أن ينفق من مال المضاربة كذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد عن نفسه وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف من مكان المضاربة لوجود الخروج من المصر لأجل المال ، وإذا انتهى إلى المصر الذي قصده ، فإن كان ذلك مصر نفسه ، أو كان له في ذلك المصر أهل ، سقطت نفقته حين دخل ; لأنه يصير مقيما بدخوله فيه لا لأجل المال ، وإن لم يكن ذلك مصره ، ولا له فيه أهل ، لكنه أقام فيه للبيع والشراء ، لا تسقط نفقته ما أقام فيه ، وإن نوى الإقامة خمسة عشر يوما فصاعدا ما لم يتخذ ذلك المصر الذي هو فيه دار إقامة ; لأنه إذا لم يتخذه دار إقامة ، كانت إقامته فيه لأجل المال ، وإن اتخذه وطنا كانت إقامته للوطن لا للمال فصار كالوطن الأصلي ، فنقول : .
الحاصل أنه
لا تبطل نفقة المضاربة بعد المسافرة بالمال إلا بالإقامة في مصره ، أو في مصر يتخذه دار إقامة لما قلنا ولو خرج من المصر الذي دخله للبيع والشراء بنية العود إلى المصر
[ ص: 106 ] الذي أخذ المال فيه مضاربة ، فإن نفقته من مال المضاربة حتى يدخله ، فإذا دخله فإن كان ذلك مصره ، أو كان له فيه أهل ، سقطت نفقته وإلا فلا حتى لو أخذ المضارب مالا
بالكوفة وهو من أهل
البصرة ، وكان قد قدم
الكوفة مسافرا ، فلا نفقة له في المال ما دام
بالكوفة لما قلنا فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى يأتي
البصرة ; لأن خروجه لأجل المال ، ولا ينفق من المال ما دام
بالبصرة ; لأن
البصرة وطن أصلي له ، فكان إقامته فيها لأجل الوطن لا لأجل المال ، فإذا خرج من
البصرة له أن ينفق من المال حتى يأتي
الكوفة ; لأن خروجه من
البصرة لأجل المال .
وله أن ينفق أيضا ما أقام
بالكوفة حتى يعود إلى
البصرة ; لأن وطنه بالكوفة كان وطن إقامة ، وأنه يبطل بالسفر ، فإذا عاد إليها وليس له وطن ، فكان إقامته فيها لأجل المال ، فكان نفقته فيه ، وكل
من كان مع المضارب ممن يعينه على العمل ، فنفقته من مال المضاربة حرا كان أو عبدا ، أو أجيرا يخدمه أو يخدم دابته ; لأن نفقتهم كنفقة نفسه ; لأنه لا يتهيأ له السفر إلا بهم ، إلا أن يكون معه عبيد لرب المال بعثهم ليعاونوه ، فلا نفقة لهم في مال المضاربة ، ونفقتهم على رب المال خاصة ; لأن إعانة عبد رب المال كإعانة رب المال بنفسه .
ورب المال لو أعان المضارب بنفسه في العمل ، لم تكن نفقته في مال المضاربة كذا عبيده ، فأما عبد المضارب فهو كالمضارب ، والمضارب إذا عمل بنفسه في المال ، أنفق عليه منه كذا عبده .
( وأما ) ما فيه النفقة فالنفقة في مال المضاربة ، وله أن ينفق من مال نفسه ، ما له أن ينفق من مال المضاربة على نفسه ، ويكون دينا في المضاربة حتى كان له أن يرجع فيها ; لأن الإنفاق من المال وتدبيره إليه ، فكان له أن ينفق من ماله ، ويرجع به على مال المضاربة ،
كالوصي إذا أنفق على الصغير من مال نفسه إن له أن يرجع بما أنفق على مال الصغير لما قلنا ، كذا هذا له أن يرجع بما أنفق في مال المضاربة ، لكن بشرط بقاء المال ، حتى لو هلك المال لم يرجع على رب المال بشيء كذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في المضاربة ; لأن
نفقة المضارب من مال المضاربة فإذا هلك هلك بما فيه كالدين يسقط بهلاك الرهن ، والزكاة تسقط بهلاك النصاب ، وحكم الجناية يسقط بهلاك العبد الجاني .