( وأما )
بيان ما ينعزل به العدل ويخرج عن الوكالة وما لا ينعزل ، فنقول : التسليط على البيع إما أن يكون في عقد الرهن ، وإما أن يكون متأخرا عنه .
فإن كان في العقد فعزل الراهن العدل ; لا ينعزل من غير رضا المرتهن ; لأن الوكالة إذا كانت في العقد كانت تابعة للعقد ، فكانت لازمة بالعقد ، فلا ينفرد الراهن بفسخها كما لا ينفرد بفسخ العقد ، وكذا لا ينعزل بموت الراهن ولا بموت المرتهن ; لما ذكرنا أن الوكالة الثابتة في العقد من توابع العقد ، والعقد لا يبطل بالموت فكذا ما هو من توابعه ، وإن كان التسليط متأخرا عن العقد فللراهن أن يعزله ، وينعزل بموت الراهن أيضا ; لأن التسليط المتأخر عن العقد توكيل مبتدأ ، فينعزل الوكيل بعزل الموكل وموته وسائر ما يخرج به الوكيل عن الوكالة ، وقد ذكرنا جملة ذلك في كتاب الوكالة ، وهذا الذي ذكرنا جواب ظاهر الرواية ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أن التسليط الطارئ على العقد والمقارن إياه سواء ; لأنه يلتحق بالعقد فيصير كالموجود عند العقد ، والصحيح جواب ظاهر الرواية ; لأن التسليط لم يوجد عند العقد حقيقة ، وجعل المعدوم حقيقة موجودا تقديرا ; لا يجوز إلا بدليل ولم يوجد ، وتبطل الوكالة بموت العدل سواء كانت بعد العقد أو في العقد ، ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه ; لأن الوكالة لا تورث ; ولأن الراهن رضي به ولم يرض بغيره ، فإذا مات بطلت الوكالة لكن لا يبطل العقد ، ويوضع الرهن في يد عدل آخر عن تراض منهما ; لأنه جاز الوضع في يد الأول في الابتداء بتراضيهما ، فكذا في يد الثاني في الانتهاء ، فإن اختلفا في ذلك نصب القاضي عدلا ووضع الرهن على يده قطعا للمنازعة ، وليس للعدل الثاني أن يبيع إلا أن يموت الراهن ; لأن الراهن سلط الأول لا الثاني .
وعلى هذا تخرج نفقة الراهن أنها على الراهن لا على المرتهن ، والأصل أن ما كان من حقوق الملك فهو على الراهن ; لأن الملك له ، وما كان من حقوق اليد فهو على المرتهن ; لأن اليد له إذا عرف هذا ، فنقول : الرهن إذا كان رقيقا فطعامه وشرابه وكسوته على الراهن ، وكفنه عليه وأجرة ظئر ولد الرهن عليه ، وإن كانت دابة فالعلف وأجرة الراعي عليه ، وإن كان بستانا فسقيه وتلقيح نخله وجداده والقيام بمصالحه عليه ، سواء كان في قيمة الرهن فضل أو لم يكن ; لأن هذه الأشياء من حقوق الملك ، ومؤنات الملك على المالك ، والملك للراهن فكانت المؤنة عليه والخراج على الراهن ; لأنه مؤنة الملك .
( وأما ) العشر : ففي الخارج يأخذه الإمام ولا يبطل الرهن في الباقي ، بخلاف ما إذا استحق بعض الرهن شائعا ، أنه يبطل الرهن في الباقي .
( ووجه ) الفرق أن الفساد في الاستحقاق لمكان الشيوع ، ولم يوجد ههنا ; لأن بالاستحقاق تبين أن الرهن في القدر المستحق لم يصح ، والباقي شائع والشياع يمنع صحة الرهن بخلاف العشر ; لأن وجوبه في الخارج لا يخرجه عن ملكه ، بدليل أنه يجوز بيعه ويجوز له الأداء من غيره ، فكان الدفع إلى الإمام بمنزلة إخراج الشيء عن ملكه ، فلا يتحقق فيه معنى الشيوع فهو الفرق .
ولو كان في الرهن نماء فأراد الراهن أن يجعل النفقة ، التي ذكرنا أنها عليه ، في نماء الرهن ليس له ذلك ; لأن زوائد المرهون مرهونة عندنا تبعا للأصل ، فلا يملك الإنفاق منها ، كما لا يملك الإنفاق من الأصل ، والحفظ على المرتهن ، حتى لو شرط الراهن للمرتهن أجرا على حفظه فحفظ لا يستحق شيئا من الأجر ; لأن حفظ الرهن عليه ، فلا يستحق الأجر بإتيان ما هو واجب عليه ، بخلاف المودع إذا شرط للمودع أجرا على حفظ الوديعة أن له الأجر ; لأن حفظ الوديعة ليس بواجب عليه ; فجاز شرط الأجر ، وأجرة الحافظ عليه ; لأنها مؤنة الحفظ والحفظ عليه .
وكذا أجرة المسكن والمأوى ; لما قلنا وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أن كراء المأوى على الراهن ، وجعله بمنزلة النفقة ، وجعل الآبق على المرتهن بقدر الدين والفضل على ذلك على المالك ، حتى لو كانت قيمة الرهن والدين سواء أو قيمة الرهن أقل فالجعل كله على المرتهن ، وإن كانت قيمته أكثر فبقدر الدين على المرتهن ، وبقدر الزيادة على الراهن ; لأن وجوب الجعل على المرتهن ; لكون المرهون مضمونا وإنه مضمون بقدر الدين والفضل أمانة فانقسم الجعل عليهما على قدر الأمانة والضمان ، بخلاف أجرة المسكن أنها على المرتهن خاصة ، وإن كان في قيمة الرهن فضل ; لأن الأجرة إنما وجبت على المرتهن ; لكونها مؤنة الحفظ ، وكل المرهون محفوظ بحفظه فكان كل المؤنة عليه فأما الجعل فإنما لزمه ; لكون المردود مضمونا
[ ص: 152 ] والمضمون بعضه لا كله ، فيتقدر بقدر الضمان والفداء من الجناية ، والدين الذي يلحقه الرهن بمنزلة جعل الآبق ينقسم على المضمون والأمانة ، وكذلك مداواة الجروح والقروح والأمراض تنقسم عليهما على قدر الضمان والأمانة كذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي ، وذكر
القاضي في شرحه مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أن المداواة على المرتهن من باب إحياء حقه وهو الدين وكل ما وجب على الراهن فأداه المرتهن بغير إذنه أو وجب على المرتهن فأداه المرتهن بغير إذنه ، فهو مقطوع ; لأنه قضى دين غيره بغير أمره ، فإن فعل بأمر القاضي يرجع على صاحبه ; لأن القاضي له ولاية حفظ أموال الناس وصيانتها عن الهلاك ، والإذن بالإنفاق على وجه يرجع على صاحبه بما أنفق طريق صيانة المالين ، وكذا إذا فعل أحدهما بأمر صاحبه يرجع عليه ; لأنه صار وكيلا عنه بالإنفاق .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمهما الله أن الراهن إن كان غائبا فأنفق المرتهن بأمر القاضي ، يرجع عليه ، وإن كان حاضرا ، لم يرجع عليه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد : يرجع في الحالين جميعا ; بناء على أن القاضي لا يلي على الحاضر عنده ، وعندهما يلي عليه ، وهي مسألة الحجر على الحر وستأتي في كتاب الحجر ، وعلى هذا يخرج زوائد الرهن أنها مرهونة عندنا .