( وأما )
حكم جناية الرهن على غير الرهن : فجنايته لا تخلو إما أن كانت على بني
آدم ، وإما أن كانت على غير بني
آدم من سائر الأموال فإن كانت على بني
آدم ، فلا تخلو إما أن كانت عمدا وإما أن كانت خطأ أو في معناه فإن كانت عمدا ، يقتص منه كما إذا لم تكن رهنا ; لأن ملك الراهن لا يمنع وجوب القصاص ، ألا ترى أنه لا يمنع إذا لم يكن رهنا ، وإذا لم يكن الملك مانعا فحق المرتهن أولى ; لأنه دون الملك سواء قتل أجنبيا أو الراهن أو المرتهن ; لأن القصاص ضمان الدم ، ولا حق للمولى في دمه بل هو أجنبي عنه ، وكذا للمرتهن من طريق الأولى إذ الثابت له الحق والحق دون الملك فصارت جنايته
[ ص: 166 ] على الراهن والمرتهن في حق القصاص ، وجنايته على الأجنبي سواء ، وإذا قتل قصاصا سقط الدين ; لأن هلاكه حصل في ضمان المرتهن فسقط ديته ، كما إذا هلك بنفسه هذا إذا كانت جنايته عمدا ، ( فأما ) إذا كانت خطأ أو ملحقة بالخطأ ، فإن كانت شبه عمد أو كانت عمدا ، لكن القاتل ليس من أهل وجوب القصاص عليه بأن كان صبيا أو مجنونا ، أو كانت جنايته فيما دون النفس فإنه يدفع أو يفدى ; لأن هذه الجنايات من العبيد والإماء توجب الدفع أو الفداء ، ثم ينظر إن كان العبد كله مضمونا بأن كانت قيمته مثل الدين أو دونه ، نحو أن تكون قيمة العبد ألفا ، والدين ألفا ، أو كان الدين ألفا وقيمة العبد خمسمائة يخاطب المرتهن أولا بالفداء ; لأنه بالفداء يستبقي حق نفسه في الرهن بتطهيره عن الجناية من غير أن يسقط حق المرتهن .
ولو بدئ بالراهن وخوطب بالدفع أو الفداء على ما هو حكم الشرع فربما يختار الدفع فيبطل حق المرتهن ويسقط دينه فكانت البداءة بخطاب المرتهن بالفداء أولى .
وإذا فداه بالأرش ، فقد استخلصه واستصفاه عن الجناية وصار كأنه لم يجن أصلا ، فيبقى رهنا كما كان ، ولا يرجع بشيء مما فدى على الراهن ; لأنه فدى ملك الغير بغير إذنه فكان متبرعا فيه فلا يملك الرجوع ، كما لو فداه أجنبي ولأنه بالفداء أصلح الرهن باختياره واستبقى حق نفسه ، فكان عاملا لنفسه بالفداء فلا يرجع على غيره وليس له أن يدفع ; لأن الدفع تمليك الرقبة وهو لا يملك رقبته ، وإن أبى المرتهن أن يفدي ، يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء ; لأن الأصل في الخطاب هو الراهن ; لأن الملك له ، وإنما يبدأ بالمرتهن بخطاب الفداء صيانة لحقه ، فإذا أبى عاد الأمر إلى الأصل ، فإن اختار الدفع بطل الرهن وسقط الدين .
( أما ) بطلان الرهن ; فلأن العبد زال عن ملكه بالدفع إلى خلف فخرج عن كونه رهنا وأما سقوط الدين ; فلأن استحقاق الزوال حصل بمعنى في ضمان المرتهن ، فصار كأنه هلك في يده ، وكذلك إن اختار الفداء ; لأنه صار قاضيا بما فدى المرتهن ; لأن الفداء على المرتهن لحصول الجناية في ضمانه ، إلا أنه لما أبى الفداء ، والراهن محتاج إلى استخلاص عبده ولا يمكنه ذلك إلا بالفداء ; فكان مضطرا في الفداء فلم يكن متبرعا فكان له أن يرجع على المرتهن بما فدى ، وله على الراهن مثله فيصير قصاصا به وإذا صار قاضيا دين المرتهن مما فدى ، ينظر إلى ما فدى وإلى قدر قيمة العبد وإلى الدين ، فإن كان الفداء مثل الدين وقيمة العبد مثل الدين أو أكثر سقط الدين كله ، وإن كان الفداء أقل من الدين وقيمة العبد مثل الدين أو أكثر سقط من الدين بقدر الفداء ، وحبس العبد رهنا بالباقي ، وإن كان الفداء قدر الدين أو أكثر وقيمة العبد أقل من الدين يسقط من الدين قدر قيمة العبد ولا يسقط أكثر منها ; لأنه لو هلك العبد ، لا يسقط من الدين أكثر من قيمته فكذا عند الفداء ، وإن كان العبد بعضه مضمونا والبعض أمانة ، بأن كانت قيمة العبد ألفين والدين ألفا فالفداء عليهما جميعا ; لأن نصفه مضمون ونصفه أمانة ، فكان فداء نصف المضمون منه على المرتهن وفداء نصف الأمانة على الراهن فيخاطبان جميعا بالدفع أو بالفداء ، والمعنى من خطاب الدفع في جانب المرتهن ، الرضا بالدفع لا فعل الدفع ; لأن فعل الدفع ليس إليه ، ثم إذا خوطب بذلك ، ( إما ) أن اجتمعا على الدفع ، ( وإما ) أن اجتمعا على الفداء ، ( وإما ) أن اختلفا ، فاختار أحدهما الدفع والآخر الفداء ، والحال لا يخلو إما أن يكونا حاضرين وإما أن كان أحدهما غائبا ، فإن كانا حاضرين واجتمعا على الدفع ودفعا ، فقد سقط دين المرتهن ; لأن الدفع بمنزلة الهلاك وإن اجتمعا على الفداء ، فدى كل واحد منهما بنصف الأرش ، وإذا فديا طهرت رقبة العبد عن الجناية ويكون رهنا كما كان ، وكان كل واحد منهما متبرعا حتى لا يرجع على صاحبه بما فدى ; لأن كل واحد منهما أدى ما عليه فكان مؤديا عن نفسه لا عن صاحبه ، وإن اختلفا فأراد أحدهما الفداء والآخر الدفع ، فأيهما اختار الفداء فاختياره أولى .
( أما ) المرتهن ; فلأنه بالفداء يستبقي حق نفسه ولا يسقط حق الراهن ، والراهن بالدفع يسقط حق المرتهن فكان اختيار المرتهن أولى وأما الراهن ; فلأنه يستبقي ملك الرقبة بالفداء والمرتهن باختيار الدفع يريد إسقاط دينه وإبطال ملك الراهن ، فلم يكن له في اختيار الدفع نفع بل كان سفها محضا وتعنتا باردا ; فلا يلتفت إليه ، فكان للراهن أن يفدي ثم أيهما اختار الفداء فدى العبد بجميع الأرش ولا يملك الآخر دفعه ، ثم ينظر إن كان الذي اختار الدفع هو المرتهن ففدى بجميع الأرش ، بقي العبد رهنا كما كان ; لأنه طهرت رقبته عن الجناية بالفداء فصار كأنه لم يجن ، ويرجع المرتهن على الراهن
[ ص: 167 ] بدينه ، وهل يرجع عليه بحصة الأمانة ؟ ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي فيه روايتين : في رواية لا يرجع بل يكون متبرعا ، وفي رواية يرجع وذكر
القاضي في شرحه مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أنه لا يرجع إلا بدينه خاصة ، ولم يذكر اختلاف الرواية .
( وجه ) الرواية الأولى أنه التزم الفداء باختياره مع قدرته على أن لا يلتزم ; لأنه لو لم يلتزم لخوطب الراهن فكان متبرعا فيه فلا يملك الرجوع .
( وجه ) الرواية الأخرى أن المرتهن يحتاج إلى إصلاح قدر المضمون منه ولا يمكنه ذلك إلا بإصلاح قدر الأمانة ، فكان مضطرا فلم يكن متبرعا ، وإن كان الذي اختار الفداء هو الراهن ففداه بجميع الأرش ، لا يكون متبرعا بل يكون قاضيا بنصف الفداء دين المرتهن ، ثم ينظر إن كان نصف الفداء مثل كل الدين سقط الدين كله ، وإن كان أقل منه سقط من الدين بقدره ورجع بالفضل على الراهن ويحبسه رهنا به ، هذا إذا كانا حاضرين ، فأما إذا كان أحدهما حاضرا فليس له ولاية الدفع أيهما كان ، سواء كان المرتهن أو الراهن أما المرتهن فلا شك فيه ; لأنه لا ملك له في العبد أصلا ، والدفع تمليك فلا يتصور بدون الملك .
وأما الراهن ; فلأن الدفع إسقاط حق المرتهن وله ولاية الفداء بجميع الأرش ، فإن كان الحاضر هو المرتهن ففداه بجميع الأرش ، لا يكون متبرعا في نصف الفداء عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وله أن يرجع على الراهن بدينه وبنصف الفداء ، لكنه يحبس العبد رهنا بالدين وليس له أن يحبسه رهنا بنصف الفداء بعد قضاء الدين ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد كان المرتهن متبرعا في نصف الفداء فلا يرجع على الراهن إلا بدينه خاصة ، كما لو فداه بحضرة الراهن فهما سويا بين الغيبة والحضرة وجعلاه متبرعا في الحالين جميعا
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رضي الله عنه فرق بين حال الحضرة والغيبة فجعله متبرعا في الحضرة لا في الغيبة ، وإن كان الحاضر هو الراهن ففداه بجميع الأرش لا يكون متبرعا في نصف الفداء بالإجماع بل يكون قاضيا بنصف الفداء دين المرتهن ، كما لو فداه الراهن بحضرة المرتهن وجه قولهما أن المرتهن فدى ملك الغير بغير إذنه فكان متبرعا ، كما لو فداه أجنبي ; ولهذا كان متبرعا في حالة الحضرة كما في الغيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة رضي الله عنه أنه في حال الحضرة التزم الفداء باختياره مع إمكان خطاب الراهن فكان متبرعا ، والخطاب لا يمكن حالة الغيبة وهو محتاج إلى إصلاح قدر المضمون ، ولا يمكنه ذلك إلا بإصلاح قدر الأمانة فكان مضطرا فلم يكن متبرعا هذا الذي ذكرنا حكم جناية الرهن .
( فأما )
حكم جناية ولد الرهن بأن قتل إنسانا خطأ فحكمه أنه لا فداء على المرتهن ويخاطب المولى بالدفع أو الفداء ، أما عدم وجوب الفداء على المرتهن ; فلأن خطابه بفداء الرهن مع أنه ليس ملكه لحصول الجناية من الرهن في ضمانه ، ولم يوجد في الولد لأنه ليس بمضمون أنه لو هلك يهلك بغير شيء .
وأما خطاب المولى بالدفع أو الفداء ; فلأن الملك له فإن دفعه خرج الولد عن الرهن ولم يسقط شيء من الدين ، أما خروجه عن الرهن فلزوال ملك الراهن عنه فيخرج عن الرهن كما لو هلك .
وأما عدم سقوط شيء من الدين ; فلأن الولد غير مضمون بالهلاك بخلاف الأم وإن فدى فهو رهن مع أنه على حاله ، فإن اختار الراهن الدفع ، فقال له المرتهن : أنا أفدي فله ذلك ; لأن الولد مرهون وإن لم يكن مضمونا ، ألا ترى أن الحكم الأصلي للرهن ثابت فيه وهو حق الحبس ، فكان الفداء منه إصلاحا للرهن فكان له ذلك هذا إذا جنى الرهن على أجنبي ، فأما إذا جنى على الراهن أو على المرتهن أما جنايته على نفس المرتهن جناية موجبة للمال أو على ماله فهدر ; لأن العبد ملكه ، والمولى لا يجب له على عبده دين بخلاف جناية العبد المغصوب على المغصوب منه أو على ماله ، على أصل
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله أنها معتبرة ; لأن المضمونات تملك عند أداء الضمان من وقت الغصب ، فتبين أن تلك الجناية لم تكن جناية العبد على مولاه وأما جنايته على نفس المرتهن فهدر عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد معتبرة ، يدفع أو يفدى إن رضي به المرتهن ويبطل الدين ، وإن قال المرتهن : لا أطلب الجناية ; لما في الدفع أو الفداء من سقوط حقي ، فله ذلك وبطلت الجناية والعبد رهن على حاله .
هكذا أطلق
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي ، وذكر
القاضي في شرحه مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وفصل فقال : إن كان العبد كله مضمونا بالدين فهو على الاختلاف ، وإن كان بعضه مضمونا وبعضه أمانة فجنايته معتبرة بالاتفاق ، فيقال للراهن : إن شئت فادفع ، وإن شئت فافده فإن دفعه وقبل المرتهن ، بطل الدين كله وصار العبد كله للراهن ، وإن اختار الفداء فنصف الفداء على الراهن ونصفه على المرتهن فما
[ ص: 168 ] كان حصة المرتهن يبطل وما كان حصة الراهن يفدى ، والعبد رهن على حاله ، واختلافهم في جناية الرهن على المرتهن نظير اختلافهم في جنايته عند الغصب على الغاصب أنها هدر عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وعندهما معتبرة .
( وجه ) قولهما أن هذه جناية وردت على غير المالك فكانت معتبرة ، كما إذا وردت على أجنبي ، وهذا لأن الأصل في الجنايات اعتبارها ، وسقوط الاعتبار لمكان عدم الفائدة وهنا في اعتبار هذه الجناية فائدة ; لأن موجبها الدفع وله فيه فائدة وهو الوصول إلى ملك العبد وإن كان فيه سقوط دينه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة أن هذه الجناية وردت على غير المالك لكنها وجدت في ضمان المرتهن ، فورودها على غير المالك إن كان يقتضي أن تكون معتبرة ، فوجودها في ضمان المرتهن يقتضي أن لا تعتبر ; لأنها توجب الفداء عليه وذلك غير ممكن ; لما فيه من إيجاب الضمان عليه له وإنه محال ، فوقع الشك والاحتمال في اعتبارها فلا تعتبر .
هذا إذا جنى على نفس المرتهن ، فأما إذا جنى على ماله فإن كانت قيمته والدين سواء وليس في قيمته فضل فجنايته هدر بالإجماع ; لأنه لا فائدة في اعتبار هذه الجناية ، إذ ليس حكمها وجوب الدفع إلى المرتهن ليملكه بل تعلق الدين برقبته ، فلو بيع وأخذ ثمنه ; لسقط دينه فلم يكن في اعتبار هذه الجناية فائدة فلا تعتبر ، وإن كانت قيمته أكثر من الدين ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله روايتان : في رواية تعتبر الجناية في قدر الأمانة ، وفي رواية لا يثبت حكم الجناية أصلا وجه الرواية الأولى أن المانع من الاعتبار كون العبد في ضمان المرتهن ، وقدر الأمانة وهو الفضل على الدين ليس في ضمانه ، فأمكن اعتبار الجناية في ذلك القدر فلزم اعتبارها وجه الرواية الأخرى أن ذلك القدر وإن لم يكن مضمونا فهو في حكم المضمون ; لثبوت حكم الرهن فيه وهو الحبس فيمنع الاعتبار وأما
جناية الرهن على ابن الراهن أو على ابن المرتهن فلا شك أنها معتبرة ; لأن المانع من الاعتبار في حق الراهن هو كون العبد مملوكا له ، وفي حق المرتهن كونه في ضمانه ولم يوجد شيء من ذلك هنا فكانت جنايته عليه وعلى الأجنبي سواء هذا الذي ذكرنا حكم جناية الرهن على بني
آدم .
وأما حكم جنايته على سائر الأموال ، بأن استهلك مالا يستغرق رقبته فحكمها ، وحكم جناية غير الرهن سواء ، وهو تعلق الدين برقبته يباع فيه ، إلا إذا قضى الراهن أو المرتهن دينه ، فإذا قضاه أحدهما فالحكم فيه والحكم فيما ذكر من الفداء من جنايته على بني
آدم سواء ، وهو أنه إن قضى المرتهن الدين ، بقي دينه وبقي العبد رهنا على حاله ; لأنه بالفداء استفرغ رقبة العبد عن الدين واستصفاها عنه فيبقى العبد رهنا بدينه ، كما كان لو فداه عن الجناية ، وإن أبى المرتهن أن يقضي وقضاه الراهن ، بطل دين المرتهن ; لما ذكرنا في الفداء من الجناية ، فإن امتنعا عن قضاء دينه ، يباع العبد بالدين ويقضى دين الغريم من ثمنه ; لأن دين العبد مقدم على حق المرتهن .
ألا ترى أنه مقدم على حق المولى ، فعلى حق المرتهن أولى ; لأنه دونه ، ثم إذا بيع العبد وقضي دين الغريم من ثمنه فثمنه لا يخلو إما أن يكون فيه وفاء بدين الغريم ، وإما أن لم يكن فيه وفاء به فإن كان فيه وفاء بدينه ، فدينه لا يخلو إما أن يكون مثل دين المرتهن وإما أن يكون أكثر منه وإما أن يكون أقل منه ، فإن كان مثله أو أكثر منه سقط دين المرتهن كله ; لأن العبد زال عن ملك الراهن بسبب وجد في ضمان المرتهن فصار كأنه هلك ، وما فضل من ثمن العبد يكون للراهن ; لأنه بدل ملكه لا حق لأحد فيه فيكون له خاصة ، وإن كان أقل منه سقط من دين المرتهن بقدره ، وما فضل من ثمن العبد يكون رهنا عند المرتهن بما بقي ; لأنه لا دين فيه فيبقى رهنا ، ثم إن كان الدين قد حل أخذه بدينه إن كان من جنس حقه ، وإن كان من خلاف جنس حقه أمسكه إلى أن يستوفي حقه ، وإن كان الدين لم يحل أمسكه بما بقي من دينه إلى أن يحل هذا إذا كان كل العبد مضمونا بالدين ، فأما إذا كان نصفه مضمونا ونصفه أمانة ، لا يصرف الفاضل كله إلى المرتهن بل يصرف نصفه إلى المرتهن ونصفه إلى الراهن ; لأن قدر الأمانة لا دين فيه ، فيصرف ذلك إلى الراهن .
وكذلك إن كان قدر المضمون منه والأمانة على التفاضل ، يصرف الفضل إليهما على قدر تفاوت المضمون والأمانة في ذلك ; لما قلنا لم يكن في ثمن العبد وفاء بدين الغريم أخذ الغريم ثمنه وما بقي من دينه يتأخر إلى ما بعد العتاق ولا يرجع به على أحد ; لأنه لم يوجد سبب وجوب الضمان من أحد ، إنما وجد منه وحكمه : تعلق الدين برقبته واستيفاء الدين منها ، فإذا لم تف رقبته بالدين ، يتأخر ما بقي إلى ما بعد العتق ، وإذا أعتق وأدى الباقي ، لا يرجع بما أدى
[ ص: 169 ] على أحد ; لأنه وجب عليه بفعله فلا يرجع على غيره .
وكذلك حكم جناية ولد الرهن على سائر الأموال وحكم جناية الأم سواء ، في أنه يتعلق الدين برقبته كما في الأم ، إلا أن هنا لا يخاطب المرتهن بقضاء دين الغريم ; لأن سبب وجوب الدين لم يوجد في ضمان المرتهن ; ولأن الولد ليس بمضمون بخلاف الأم ، بل يخاطب الراهن بين أن يبيع الولد بالدين وبين أن يستخلفه بقضاء الدين ، فإن قضى الدين ، بقي الولد رهنا كما كان ، وإن بيع بالدين ، لا يسقط شيء من دين المرتهن ; لأنه ليس بمضمون ، بخلاف الأم هذا الذي ذكرنا
حكم جناية غير الرهن على الرهن وحكم جناية الرهن على غير الرهن .