فأما
حكم جناية الرهن على الرهن فنقول وبالله التوفيق : جناية الرهن على الرهن نوعان : جناية على الرهن نفسه ، وجناية على جنسه .
أما جنايته على نفسه : فهي والهلاك بآفة سماوية سواء ، ثم ينظر إن كان العبد كله مضمونا ، سقط من الدين بقدر النقصان ، وإن كان بعضه مضمونا وبعضه أمانة ، سقط من الدين قدر ما انتقص من المضمون لا من الأمانة وأما جناية الرهن على نفسه فعلى ضربين أيضا : جناية بني
آدم على جنسه ، وجناية البهيمة على جنسها وعلى غير جنسها .
أما
جناية بني آدم على جنسه : بأن كان الرهن عبدين فجنى أحدهما على صاحبه فالعبدان لا يخلو أما إن كانا رهنا في صفقة واحدة ، وإما إن كانا رهنا في صفقتين فإن كانا رهنا في صفقة واحدة فجنى أحدهما على صاحبه ، فجنايته لا تخلو من أربعة أقسام : جناية المشغول على المشغول وجناية المشغول على الفارغ وجناية الفارغ على الفارغ وجناية الفارغ على المشغول ، والكل هدر إلا واحدة : وهي جناية الفارغ على المشغول ، فإنها معتبرة ، ويتحول ما في المشغول من الدين إلى الفارغ ، ويكون رهنا مكانه .
أما
جناية المشغول على المشغول ; فلأنها لو اعتبرت إما أن تعتبر لحق المولى أعني الراهن ، وإما أن تعتبر لحق المرتهن والاعتبار لحق الرهن لا سبيل إليه في الفصول كلها ; لأن كل واحد منهما ملكه ، وجناية المملوك على المملوك ساقطة الاعتبار لحق المالك ; لأن اعتبارها في حقه لوجوب الدفع عليه أو الفداء له ، وإيجاب شيء على الإنسان لنفسه ممتنع ; ولهذا لا يجب للمولى على عبده دين ، ولا سبيل إلى اعتبار جناية المشغول على المشغول لحق المرتهن ; لأن الاعتبار لحقه يحول ما في المجني عليه من الدين إلى الجاني ، والجاني مشغول بدين نفسه ، والمشغول بنفسه لا يشتغل بغيره .
وكذلك جناية المشغول على الفارغ ; لما قلنا .
وأما
جناية الفارغ على الفارغ ; فلأنه لا دين للفارغ ليتحول إلى الجاني فلا يفيد اعتبارها في حقه .
وأما
جناية الفارغ على المشغول فممكن الاعتبار لحق يتحول ما فيه من الدين إلى الفارغ ، وبيان هذه الجملة في مسائل : إذا كان الدين ألفين والرهن عبدين ، يساوي كل واحد منهما ألفا فقتل أحدهما صاحبه أو جنى عليه جناية فيما دون النفس مما قل أرشها أو كثر فجنايته هدر ويسقط الدين الذي كان في المجني عليه بقدره ، ولا يتحول قدر ما سقط إلى الجاني ; لأن كل واحد منهما مشغول كله بالدين وجناية المشغول على المشغول هدر فجعل كأن المجني عليه هلك بآفة سماوية ولو كان الدين ألفا فقتل أحدهما صاحبه ، فلا دفع ولا فداء ، وكان القاتل رهنا بسبعمائة وخمسين ; لأن في كل واحد منهما من الدين خمسمائة ، فكان نصف كل واحد منهما فارغا ونصفه مشغولا ، فإذا قتل أحدهما صاحبه ، فقد جنى كل واحد من نصفي القاتل على النصف المشغول والنصف الفارغ من المجني عليه .
وجناية قدر المشغول على المشغول وقدر المشغول على الفارغ وقدر الفارغ على الفارغ هدر ; لما بينا ، فيسقط ما كان فيه شيء من الدين ولا يتحول إلى الجاني ، وجناية قدر الفارغ على قدر المشغول معتبرة ، فيتحول قدر ما كان فيه إلى الجاني ، وذلك مائتان وخمسون ، وقد كان في الجاني خمسمائة فيبقى رهنا بسبعمائة وخمسين .
ولو فقأ أحدهما عين صاحبه ، تحول نصف ما كان من الدين في العين إلى الباقي فيصير الباقي رهنا بستمائة وخمسة وعشرين ، وبقي المفقوء عينه رهنا بمائتين وخمسين ; لأن العبد الفاقئ جنى على نصف العبد الآخر ; لأن العين من الآدمي نصفه ، إلا أن ذلك النصف نصفه مشغول بالدين ونصفه فارغ من الدين ، والفاقئ جنى على النصف المشغول والفارغ جميعا ، والفاقئ نصفه مشغول ونصفه فارغ إلا أن جناية المشغول على قدر المشغول والفارغ ، وجناية الفارغ على قدر الفارغ والمشغول ، فقدر جناية الفارغ على قدر المشغول معتبرة فيتحول قدر ما كان في المشغول من الدين إلى الفاقئ ، وذلك مائة وخمسة
[ ص: 170 ] وعشرون ، وقد كان في الفاقئ خمسمائة فيصير الفاقئ رهنا بستمائة وخمسة وعشرين ، ويبقى المفقوء عينه رهنا بمائتين وخمسين ; لانعدام ورود الجناية على ذلك النصف والله عز وجل أعلم .
وإن كان العبدان رهنا في صفقتين فإن كان فيهما فضل على الدين ، بأن كان الدين ألفا وقدر كل واحد منهما ألفا فقتل أحدهما الآخر تعتبر الجناية رهنا بخلاف الفصل الأول ; لأن الصفقة إذا تفرقت ، صارت بمنزلة ما لو رهن كل واحد منهما رجلا على حدة ، فجنى أحدهما على الآخر وهناك يثبت حكم الجناية كذا ههنا بخلاف ما إذا اتحدت الصفقة وإذا اعتبرت الجناية هنا ، يخير الراهن والمرتهن فإن شاءا جعلا القاتل مكان المقتول فيبطل ما كان في القتل من الدين ، وإن شاءا فديا القاتل بقيمة المقتول ويكون رهنا مكان المقتول ، والقاتل رهن على حاله وإن لم يكن فيهما فضل على الدين بأن كان الدين ألفين وقيمة كل واحد منهما ألفا ، فقتل أحدهما الآخر فإن دفعاه في الجناية ، قام المدفوع مقام المقتول ويبطل الدين الذي كان في القاتل ، وإن قالا : نفدي ، فالفداء كله على المرتهن ، بخلاف الفصل الأول ; لأن هناك كل واحد منهما ليس بمضمون كله بل بعضه ، وهنا كل واحد منهما مضمون كله ، فإذا حل الدين دفع الراهن ألفا وأخذ عبده ، وكانت الألف الأخرى قصاصا بهذه الألف إذا كان مثله .
ولو فقأ أحدهما عين الآخر ، قيل لهما : ادفعاه أو افدياه ، فإن دفعاه بطل ما كان فيه من الدين ، وإن فدياه كان الفداء عليهما نصفين وكان الفداء رهنا مع المفقوء عينه ; لأن الجناية معتبرة ; لما ذكرنا ، فصار كعبد الرهن إذا جنى على عبد أجنبي فإن قال المرتهن : أنا لا أفدي ولكني أدع الرهن على حاله فله ذلك ، وكان الفاقئ رهنا مكانه على حاله ، وقد ذهب نصف ما كان في المفقوء من الدين ; لأن اعتبار الجناية إنما كان لحق المرتهن لا لحق الراهن ، فإذا رضي المرتهن بهدر الجناية ، صار هدرا .
وإن قال الراهن : أنا أفدي ، وقال المرتهن : لا أفدي ، كان للراهن أن يفديه ، وهذا إذا طلب المرتهن حكم الجناية ; لأنه إذا طلب حكم الجناية فحكمها التخيير وإن أبى الراهن الفداء وقال المرتهن : أنا أفدي والراهن حاضر أو غائب ، فهو على ما بينا في العبد الواحد .
( وأما )
جناية البهيمة على جنسها : فهي هدر ; لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25566جرح العجماء جبار } أي هدر ، والعجماء : البهيمة ، والجناية إذا هدرت ، سقط اعتبارها وصار الهلاك بها والهلاك بآفة سماوية سواء ، وكذلك جنايتها على خلاف جنسها هدر ; لعموم الحديث وأما جناية بني
آدم عليها فحكمها وحكم جنايته على سائر الأموال سواء ، وقد بينا ذلك .