بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما المعاني التي هي عذر في فسخ المزارعة فأنواع بعضها يرجع إلى صاحب الأرض ، وبعضها يرجع إلى المزارع .

( أما ) الأول الذي يرجع إلى صاحب الأرض فهو الدين الفادح الذي لا قضاء له إلا من ثمن هذه الأرض تباع في الدين ، ويفسخ العقد بهذا العذر إذا أمكن الفسخ بأن كان قبل الزراعة أو بعدها إذا أدرك الزرع ، وبلغ مبلغ الحصاد ; لأنه لا يمكنه المضي في العقد إلا بضرر يلحقه فلا يلزمه تحمل الضرر فيبيع القاضي الأرض بدينه أولا ثم يفسخ المزارعة ولا تنفسخ بنفس العذر ، وإن لم يمكن الفسخ بأن كان الزرع لم يدرك ولم يبلغ مبلغ الحصاد لا يباع في الدين ولا يفسخ إلى أن يدرك الزرع ; لأن في البيع إبطال حق العامل ، وفي الانتظار إلى وقت الإدراك تأخير حق صاحب الدين [ ص: 184 ] وفيه رعاية الجانبين - فكان أولى ويطلق من الحبس إن كان محبوسا إلى غاية الإدراك ; لأن الحبس جزاء الظلم وهو المطل وإنه غير مماطل قبل الإدراك ; لكونه ممنوعا عن بيع الأرض شرعا ، والممنوع معذور فإذا أدرك الزرع يرد إلى الحبس ثانيا ; ليبيع أرضه ويؤدي دينه بنفسه ، وإلا فيبيع القاضي عليه .

( وأما ) الثاني الذي يرجع إلى المزارع فنحو المرض - لأنه معجز عن العمل - ، والسفر - لأنه يحتاج إليه - ، وترك حرفة إلى حرفة - لأن من الحرف ما لا يغني من جوع فيحتاج إلى الانتقال إلى غيره - ، ومانع يمنعه من العمل على ما عرف في كتاب الإجارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية