وأما
شرائط الوجوب فأنواع منها الإنكار لأنها وجبت للحاجة إلى دفع التهمة وهي تهمة الكذب في الإنكار فإذا كان مقرا لا حاجة لأن الإنسان لا يتهم في الإقرار على نفسه ثم الإنكار نوعان نص ودلالة أما النص فهو صريح الإنكار وأما الدلالة فهو السكوت عن جواب المدعي عن غير آفة لأن الدعوى أوجبت الجواب عليه والجواب نوعان إقرار وإنكار فلا بد من حمل السكوت على
[ ص: 226 ] أحدهما والحمل على الإنكار أولى لأن العاقل المتدين لا يسكت عن إظهار الحق المستحق لغيره مع قدرته عليه وقد يسكت عن إظهار الحق لنفسه مع قدرته عليه فكان حمل السكوت على الإنكار أولى فكان السكوت إنكارا دلالة ولو
لم يسكت المدعى عليه ولم يقر ولكنه قال لا أقر ولا أنكر وأصر على ذلك اختلف المشايخ فيه قال بعضهم هذا إنكار .
وقال بعضهم هذا إقرار والأول أشبه لأن قوله لا أنكر إخبار عن السكوت عن الجواب والسكوت إنكار على ما مر ومنها الطلب من المدعي لأنها وجبت على المدعى عليه حقا للمدعي وحق الإنسان قبل غيره واجب الإيفاء عند طلبه ، ومنها عدم البينة الحاضرة عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعندهما ليس بشرط حتى لو
قال المدعي لي بينة حاضرة ثم أراد أن يحلف المدعى عليه ليس له ذلك عنده وعندهما له ذلك وجه قولهما أن اليمين حجة المدعي كالبينة ولهذا لا تجب إلا عند طلبه فكان له ولاية استيفاء أيهما شاء
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة أن البينة في كونها حجة المدعي كالأصل لكونها كلام غير الخصم واليمين كالخلف عليها لكونها كلام الخصم فلهذا لو أقام البينة ثم أراد استحلاف المدعى عليه ليس له ذلك والقدرة على الأصل تمنع المصير إلى الخلف ومنها أن لا يكون المدعى حقا لله عز وجل خالصا فلا يجوز الاستحلاف في الحدود الخالصة حقا لله عز وجل كحد الزنا والسرقة والشرب لأن الاستحلاف لأجل النكول ولا يقضى بالنكول في الحدود الخالصة لأنه بذل عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله وعندهما إقرار فيه شبهة العدم والحدود لا تحتمل البذل ولا تثبت بدليل فيه شبهة لهذا لا تثبت بشهادة النساء والشهادة على الشهادة إلا أن في السرقة يحلف على أخذ المال وكذا لا يمين في اللعان لأنه جار مجرى الحد وأما حد القذف فيجري فيه الاستحلاف في ظاهر الرواية لأنه ليس من الحدود المتمحضة حقا لله تعالى بل يشوبه حق العبد فأشبه التعزير .
وفي التعزير يحلف كذا هذا ويجري الاستحلاف في القصاص في النفس والطرف لأن القصاص خالص حق العبد ومنها أن يكون المدعى محتملا للإقرار به شرعا بأن كان لو أقر به لصح إقراره به فإن لم يكن لم يجر فيه الاستحلاف حتى أن من
ادعى على رجل أنه أخوه ولم يدع في يده ميراثا فأنكر لا يحلف لأنه لو أقر له بالأخوة لم يجز إقراره لكونه إقرارا على غيره وهو أبوه ولو ادعى أنه أخوه وأن في يده مالا من تركة أبيه وهو مستحق لنصفه بإرثه من أبيه فأنكر يحلف لأجل الميراث لا للأخوة لأنه لو أقر أنه أخوه صح إقراره في حق الإرث حتى يؤمر بتسليم نصف الميراث إليه ولم يصح في حق النسب حتى لا يقضى بأنه أخوه وعلى هذا
عبد في يد رجل ادعاه رجلان فأقر به لأحدهما وسلم القاضي العبد إليه فقال الآخر لا بينة لي وطلب من القاضي تحليف المقر لا يحلفه في عين العبد لأنه لو أقر به لكان إقراره باطلا فإذا أنكر لا يحلف إلا أن يقول الذي لم يقر له أنك أتلفت علي العبد بإقرارك به لغيري فاضمن قيمته لي يحلف المقر بالله تعالى ما عليه رد قيمة ذلك العبد على هذا المدعي ولا رد شيء منها لأنه لو أقر بإتلافه لصح وضمن القيمة فإذا أنكر يستحلفه ولو
ادعى رجل أنه زوجه ابنته الصغيرة وأنكر الأب لا يحلف عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله لطريقين أحدهما أنه لو أقر به لا يصح إقراره به عنده فإذا أنكر لا يستحلف والثاني أن الاستحلاف لا يجري في النكاح وعندهما يجري لكن عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يحلف على السبب وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد على الحاصل والحكم على ما نذكره في موضعه هذا إذا كانت صغيرة عند الدعوى فإن كانت كبيرة وادعى أن أباها زوجها إياه في صغرها لا يحلف عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لما قلنا من الطريقين وعندهما لا يحلف أيضا لأحد طريقين وهو أنه لو أقر عليها في الحال لا يصح إقراره ولكن تحلف المرأة عندهما لأنها لو أقرت لصح إقرارها وعندهما الاستحلاف يجري فيه لكن عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف تحلف على السبب بالله عز وجل ما تعلم أن أباها زوجها وهي صغيرة إلا عند التعرض فتحلف على الحكم كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ولو
ادعت امرأة على رجل أنه زوجها عبده فأنكر المولى لا يحلف عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله لطريقين أحدهما أنه لو أقر عليه لا يصح إقراره والثاني أنه لا استحلاف في النكاح عنده وعندهما لا يحلف أيضا لكن لطريق واحد وهو أنه لو أقر عليه لا يصح إقراره ولو
ادعى رجل على رجل أنه زوجه أمته لا يحلف المولى عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعندهما يحلف لطريق واحد وهو أن
[ ص: 227 ] الاستحلاف لا يجري في النكاح عنده وعندهما يجري ومنها أن يكون المدعى مما يحتمل البذل عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة مع كونه محتملا للإقرار وعندهما أن يكون مما يحتمل الإقرار سواء احتمل البذل أو لا وعلى هذا يخرج اختلافهم في الأشياء السبعة أنها لا يجري فيها الاستحلاف عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وهي النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والنسب والرق والولاء والاستيلاد أما النكاح فهو أن يدعي رجل على امرأة أنها امرأته أو تدعي امرأة على رجل أنه زوجها ولا بينة للمدعي وطلب يمين المنكر وأما الرجعة فهو أن يقول الزوج للمطلقة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتك وأنكرت المرأة وعجز الزوج عن إقامة البينة فطلب يمينها وأما الفيء في الإيلاء فهو أن يكون الرجل آلى من امرأته ومضت أربعة أشهر فقال قد كنت فئت إليك بالجماع فلم تبيني فقالت لم تفئ إلي ولا بينة للزوج فطلب يمينها وأما النسب فنحو أن يدعي على رجل أنه أبوه أو ابنه فأنكر الرجل ولا بينة له وطلب يمينه وأما الرق فهو أن يدعي على رجل أنه عبده فأنكر وقال أنه حر الأصل لم يجر عليه رق أبدا ولا بينة للمدعي فطلب يمينه وأما الولاء فإنه يدعي على امرأة أنه أعتق أباها وأن أباها مات وولاؤه بينهما نصفان فأنكرت أن يكون أعتقه وأن يكون ولاؤه ثابتا منه ولا بينة للمدعي فطلب يمينها على ما أنكرت من الولاء وأما الاستيلاد فهو أن تدعي أمة على مولاها فتقول أنا أم ولد لمولاي وهذا ولدي فأنكر المولى لا يجري الاستحلاف في هذه المواضع السبعة عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعندهما يجري والدعوى من الجانبين تتصور في الفصول الستة وفي الاستيلاد لا يتصور إلا من جانب واحد وهو جانب الأمة فأما جانب المولى فلا تتصور الدعوى لأنه لو ادعى لثبت بنفس الدعوى وهذا بناء على ما ذكرنا أن النكول بذل عنه وهذه الأشياء لا تحتمل البذل وعندهما إقرار فيه شبهة وهذه الأشياء تثبت بدليل فيه شبهة وجه قولهما أن نكول المدعى عليه دليل كونه كاذبا في إنكاره لأنه لو كان صادقا لما امتنع من اليمين الصادقة فكان النكول إقرارا دلالة إلا أنه دلالة قاصرة فيها شبهة العدم وهذه الأشياء تثبت بدليل قاصر فيه شبهة العدم ألا ترى أنها تثبت بالشهادة على الشهادة وشهادة رجل وامرأتين (
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة ) أن النكول يحتمل الإقرار لما قلتم ويحتمل البذل لأن العاقل الدين كما يتحرج عن اليمين الكاذبة يتحرج عن التغيير والطعن باليمين ببذل المدعي إلا أن حمله على البذل أولى لأنا لو جعلناه إقرارا لكذبناه لما فيه من الإنكار ولو جعلناه بذلا لم نكذبه لأنه يصير في التقدير كأنه قال ليس هذا لك ولكني لا أمنعك عنه ولا أنازعك فيه فيحصل المقصود من غير حاجة إلى التكذيب وإذا ثبت أن النكول بذل وهذه الأشياء لا تحتمل البذل فلا تحتمل النكول فلا تحتمل التحليف لأنه إنما يستحلف المدعي لينكل المدعى عليه فيقضي عليه فإذا لم يحتمل النكول لا يحتمل التحليف .