[ ص: 230 ] فصل ) :
وأما حكم الامتناع عن تحصيله فالمدعى عليه إذا نكل عن اليمين فإن كان ذلك في دعوى المال يقضى عليه بالمال عندنا لكن ينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاث مرات فإن حلفت وإلا قضيت عليك لجواز أن يكون المدعى عليه ممن لا يرى القضاء بالنكول أو يكون عنده أن القاضي لا يرى القضاء بالنكول أو لحقه حشمة القضاة ومهابة المجلس في المرة الأولى فكان الاحتياط أن يقول له ذلك فإن
نكل عن اليمين بعد العرض عليه ثلاثا فإن القاضي يقضي عليه عندنا وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله لا يقضي بالنكول ولكن يرد اليمين إلى المدعي فيحلف فيأخذ حقه احتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله بقول النبي عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13920البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه } جعل البينة حجة المدعي واليمين حجة المدعى عليه ولم يذكر عليه الصلاة والسلام النكول فلو كان حجة المدعي لذكره والمعقول أنه يحتمل أنه نكل لكونه كاذبا في الإنكار .
فاحترز عن اليمين الكاذبة ويحتمل أنه نكل مع كونه صادقا في الإنكار تورعا عن اليمين الصادقة فلا يكون حجة القضاء مع الشك والاحتمال لكن يرد اليمين إلى المدعي ليحلف فيقضي له لأنه ترجح جنبه الصدق في دعواه بيمينه وقد ورد الشرع برد اليمين إلى المدعي فإنه روي أن سيدنا
عثمان رضي الله عنه ادعى على
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد مالا بين يدي سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد وتوجهت عليه اليمين فرد اليمين على سيدنا
عثمان وسيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جوز ذلك .
( ولنا ) ما روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا قضى على رجل بالنكول فقال المدعى عليه أنا أحلف فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح مضى قضائي وكان لا تخفى قضاياه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون إجماعا منهم على جواز
القضاء بالنكول ولأنه ظهر صدق المدعي في دعواه عند نكول المدعى عليه فيقضي له كما لو أقام البينة ودلالة الوصف أن المانع من ظهور الصدق في خبره إنكاره المدعى عليه وقد عارضه النكول لأنه كان صادقا في إنكاره لما نكل فزال المانع للتعارض فظهر صدقه في دعواه وقوله يحتمل أنه نكل تورعا عن اليمين الصادقة قلنا هذا احتمال نادر لأن اليمين الصادقة مشروعة فالظاهر أن الإنسان لا يرضى بفوات حقه تحرزا عن مباشرة أمر مشروع ومثل هذا الاحتمال ساقط الاعتبار شرعا ألا يرى أن البينة حجة القضاء بالإجماع وإن كانت محتملة في الجملة لأنها خبر من ليس بمعصوم عن الكذب لكن لما كان الظاهر هو الصدق سقط اعتبار احتمال الكذب كذا هذا وأما الحديث فنقول البينة حجة المدعي وهذا لا ينفي أن يكون غيرها حجة وقوله لو كان حجة لذكره قلنا يحتمل أنه لم يذكره لما قلتم ويحتمل أنه لم يذكره نصا مع كونه حجة تسليطا للمجتهدين على الاجتهاد ليعرف كونه حجة بالرأي والاستنباط فلا يكون حجة مع الاحتمال .
وأما رد اليمين على المدعي فليس بمشروع لما قلنا من قبل وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد فلا حجة فيه لأن فيه ذكر الرد من غير نكول المدعى عليه وهو خارج عن أقاويل الكل فكان مؤولا عند الكل ثم تأويله أن
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد رضي الله عنه ادعى الإيفاء فأنكر سيدنا
عثمان رضي الله عنه فتوجهت اليمين عليه ونحن به نقول هذا إذا نكل عن اليمين في دعوى المال فإن كان
النكول في دعوى القصاص فنقول لا يخلو إما أن تكون الدعوى في القصاص في النفس وإما أن تكون فيما دون النفس فإن كان في النفس فعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لا يقضى فيه لا بالقصاص ولا بالمال لكنه يحبس حتى يقر أو يحلف أبدا وإن كان الدعوى في القصاص في الطرف فإنه يقضي بالقصاص في العمد وبالدية في الخطإ وعندهما لا يقضى بالقصاص في النفس والطرف جميعا ولكن يقضي بالأرش والدية فيهما جميعا بناء على أن النكول بذل عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله والطرف يحتمل البذل والإباحة في الجملة فإن من وقعت في يده أكلة والعياذ بالله تعالى فأمر غيره بقطعها يباح له قطعها صيانة للنفس وبه تبين أن الطرف يسلك مسلك الأموال لأنه خلق وقاية للنفس كالمال فأما النفس فلا تحتمل البذل والإباحة بحال وكذا المباح له القطع إذا قطع لا ضمان عليه والمباح له القتل إذا قتل يضمن فكان الطرف جاريا مجرى المال بخلاف النفس فأمكن القضاء بالنكول في الطرف دون النفس فكان القياس أن لا يستحلف في النفس عنده كما لا يستحلف في الأشياء السبعة لأن الاستحلاف للتوسل إلى المقصود المدعي وهو إحياء حقه بالقضاء بالنكول ولا يقضي فيها بالنكول أصلا عنده فكان ينبغي أن لا يستحلف إلا أنه استحسن في الاستحلاف فيها لأن
[ ص: 231 ] الشرع ورد به في القسامة وجعله حقا مقصودا في نفسه تعظيما لأمر الدم وتفخيما لشأنه لكون اليمين الكاذبة مهلكة فصار بالنكول مانعا حقا مستحقا عليه مقصودا فيحبس حتى يقر أو يحلف بخلاف الأشياء السبعة فإن الاستحلاف فيها للتوسل إلى استيفاء المقصود بالنكول وأنه لا يقع وسيلة إلى هذا المقصود وعندهما النكول إقرار فيه شبهة العدم لأنه إقرار بطريق السكوت وأنه محتمل والقصاص يدرأ بالشبهات وإذا سقط القصاص للشبهة يجب المال بخلاف شهادة النساء مع الرجال والشهادة على الشهادة أنها لا تقبل في باب القصاص أصلا لأن التعذر هناك من جهة من له القصاص وهو عدم الإتيان بحجة مظهرة للحق وهي شهادة شهود أصول مذكور والتعذر هنا من جهة من عليه القصاص وهو عدم التنصيص على الإقرار والأصل أن القصاص إذا بطل من جهة من له القصاص لا تجب الدية وإذا بطل من جهة من عليه تجب الدية وأما
في دعوى السرقة إذا حلف على المال ونكل يقضى بالمال لا بالقطع لأن النكول حجة في الأموال دون الحدود الخالصة وأما في حد القذف إذا استحلف على ظاهر الرواية فكل يقضي بالحد في ظاهر الأقاويل لأنه بمنزلة القصاص في الطرف عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعندهما بمنزلة التعزير وقال بعضهم هو بمنزلة سائر الحدود لا يقضى فيه بشيء ولا يحلف لأنه حد وقيل يحلف ويقضى فيه بالتعزير دون الحد كما في السرقة يحلف ويقضى بالمال دون القطع والله سبحانه وتعالى أعلم .