وأما الثاني
فنسب الولد من المرأة يثبت بالولادة سواء كان بالنكاح أو بالسفاح لأن اعتبار الفراش إنما عرفناه بالحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15831الولد للفراش } أي لمالك الفراش ولا فراش للمرأة لأنها مملوكة وليست بمالكة فبقي الحكم في جانبها متعلقا بالولادة وإذا عرفت أن نسب الولد من الرجل لا يثبت إلا إذا صارت المرأة فراشا له فلا بد من معرفة
ما تصير به المرأة فراشا وكيفية عمله في ذلك فنقول وبالله التوفيق المرأة تصير فراشا بأحد أمرين أحدهما عقد النكاح والثاني ملك اليمين إلا أن عقد النكاح يوجب الفراش بنفسه لكونه عقدا موضوعا لحصول الولد شرعا قال النبي عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16960تناكحوا توالدوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط } وكذا الناس يقدمون على النكاح لغرض التوالد عادة فكان النكاح سببا مفضيا إلى حصول الولد فكان سببا لثبات النسب بنفسه ويستوي فيه النكاح الصحيح والفاسد إذا اتصل به الوطء لأن النكاح الفاسد ينعقد في حق الحكم عند بعض مشايخنا لوجود ركن العقد من أهله في محله والفاسد ما فاته شرط من شرائط الصحة .
وهذا لا يمنع انعقاده في حق الحكم كالبيع الفاسد إلا أنه يمنع من الوطء لغيره وهذا لا يمنع ثبات النسب كالوطء في حالة الحيض والنفاس وسواء كانت المنكوحة حرة أو أمة لأن المقصود من فراش الزوجية لا يختلف وأما ملك اليمين ففي أم الولد يوجب الفراش بنفسه أيضا لأنه ملك يقصد به حصول الولد عادة كملك النكاح فكان مفضيا إلى حصول الولد كملك النكاح إلا أنه أضعف منه لأنه لا يقصد به ذلك مثل ما يقصد بملك النكاح وكذا يحتمل النقل إلى غيره بالتزويج وينتفي بمجرد النفي من غير لعان بخلاف ملك النكاح وأما في الأمة فلا يوجب الفراش بنفسه بالإجماع حتى لا تصير الأمة فراشا بنفس الملك بلا خلاف وهل تصير فراشا بالوطء اختلف فيه قال أصحابنا رضي الله تعالى عنهم لا تصير فراشا إلا بقرينة الدعوة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عليه الرحمة تصير فراشا بنفس الوطء من غير دعوة وعبارة مشايخنا رحمهم الله في هذا الباب أن الفراش ثلاثة فراش قوي وفراش ضعيف وفراش وسط فالقوي فراش المنكوحة حتى يثبت النسب من غير دعوة ولا ينتفي إلا باللعان والوسط فراش أم الولد حتى يثبت النسب من غير دعوة وينتفي بمجرد النفي من غير لعان والضعيف فراش الأمة حتى لا يثبت النسب فيه إلا بالدعوة عندنا خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ( وجه ) قوله أن ثبات النسب منه لحصول الولد من مائه وهذا يحصل بالوطء من غير دعوة لأن الوطء سبب لحصول الولد قصد منه ذلك أو لا .
( ولنا ) أن وطء الأمة لا يقصد به حصول الولد عادة لأنها لا تشترى للوطء عادة بل للاستخدام والاسترباح ولو وطئت فلا يقصد به حصول الولد عادة لأن الولد لا يحصل إلا بترك العزل والظاهر في الإماء هو العزل والعزل بدون رضاهن مشروع فلا يكون وطؤها سببا لحصول الولد إلا بقرينة الدعوة ولأنه لما ادعى علما بقرينة الدعوة أنه وطئها ولم يعزل عنها والوطء من غير عزل سبب لحصول الولد فيثبت النسب حتى لو كان المولى وطئها وحصنها ولم يعزل عنها لا يحل له النفي فيما بينه وبين الله تعالى عز شأنه بل تلزمه الدعوى والإقرار به لأنه إذا كان كذلك فالظاهر أنه ولده فلا يحل له نفيه فيما بينه وبين الله تعالى بلا خلاف بين أصحابنا رضي الله تعالى عنهم واختلفوا فيما إذا
وطئها [ ص: 244 ] وحصنها ولكن عزل عنها أو لم يعزل عنها ولكنه لم يحصنها قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه يحل له النفي وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله أحب إلي أن يدعو إذا كان وطئها ولم يعزل عنها وإن لم يحصنها وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد عليه الرحمة أحب إلي أن يعتق ولدها ويستمتع بأمه إلى أن يقرب موته فيعتقها وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه إذا وطئها ولم يعزل عنها احتمل كون الولد منه فلا يحل له النفي بالشك والاحتمال وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه إذا لم يحصنها احتمل كونه من غيره فلا يلزمه الإقرار به بالشك لأن غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك كما أن الثابت بيقين لا يزول بالشك وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أنه إذا احتمل كونه من غيره لا يلزمه الإقرار به كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله ولما احتمل كونه منه لا يجوز له النفي أيضا كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف لكن يسلك فيه مسلك الاحتياط فيعتق الولد صيانة عن استرقاق الحر عسى ويستمتع بأمه لأن الاستمتاع بالأمة وأم الولد مباح ويعتقها عند موته صيانة عن استرقاق الحرة بعد موته عسى ويستوي في فراش الملك ملك كل المحل وبعضه وملك الذات وملك اليد في ثبوت النسب وبيان ذلك في مسائل
إذا حملت الجارية في ملك رجلين فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسب الولد منه لأن ما له من الملك أوجب النسب بقدره إلا أن النسب لا يتجزأ فمتى ثبت في البعض يتعدى إلى الكل وتصير الجارية أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه ونصف العقر ولا يضمن قيمة الولد وهي من مسائل كتاب العتق ولو ادعياه جميعا معا فهو ابنهما والجارية أم ولد لهما وهذا عندنا وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله هو ابن أحدهما ويتعين بقول القائف وجه قوله أن خلق ولد واحد من ماء فحلين مستحيل عادة ما أجرى الله سبحانه وتعالى العادة بذلك إلا في الكلاب على ما قيل فلا يكون الولد إلا من أحدهما ويعرف ذلك بقول القائف فإن الشرع ورد بقبول قول القائف في النسب فإنه روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6694أن قائفا مر بأسامة وزيد وهما تحت قطيفة واحدة قد غطى وجوههما وأرجلهما بادية فقال إن هذه الأقدام يشبه بعضها بعضا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرح بذلك حتى كادت تبرق أسارير وجهه عليه الصلاة والسلام } فقد اعتبر عليه الصلاة والسلام قول القائف حيث لم يرد عليه بل قرره بإظهار الفرح .
( ولنا ) إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي أنه وقعت هذه الحادثة في زمن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16099شريح لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون إجماعا لأن سبب استحقاق النسب بأصل الملك وقد وجد لكل واحد منهما فيثبت بقدر الملك حصة للنسب ثم يتعدى لضرورة عدم التجزي فيثبت نسبه من كل واحد منهما على الكمال وأما فرح النبي عليه الصلاة والسلام وترك الرد والنكر فاحتمل أنه لم يكن لاعتباره قول القائف حجة بل لوجه آخر وهو أن الكفار كانوا يطعنون في نسب
أسامة رضي الله عنه وكانوا يعتقدون القيافة فلما قال القائف ذلك فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم لظهور بطلان قولهم بما هو حجة عندهم فكان فرحه في الحقيقة بزوال الطعن بما هو دليل الزوال عندهم والمحتمل لا يصلح حجة وكذلك لو كانت الجارية بين ثلاثة أو أربعة أو خمسة فادعوه جميعا معا فهو ابنهم جميعا ثابت نسبه منهم والجارية أم ولد لهم عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف لا يثبت من أكثر من اثنين وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد لا يثبت من أكثر من ثلاثة وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أن القياس يأبى ثبوت النسب من أكثر من رجل واحد لما ذكرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي إلا أنا تركنا القياس في رجلين بأثر سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه فبقي حكم الزيادة مردودا إلى أصل القياس وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أن الحمل الواحد يجوز أن يكون ثلاثة أولاد وكل واحد منهم يجوز أن يخلق من ماء على حدة وقد جاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي رحمه الله أنه أثبت النسب من ثلاثة فأما الزيادة على الثلاثة في بطن واحد فنادر غاية الندرة فالشرع الوارد في الاثنين يكون واردا في الثلاثة
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة أن الموجب لثبات النسب لا يفصل بين عدد الاثنين والخمسة فالفصل بين عدد وعدد يكون تحكما من غير دليل وسواء كانت الأنصباء متفقة أو مختلفة بأن كان لأحدهم السدس وللآخر الربع وللآخر الثلث وللآخر ما بقي فالولد ابنهم جميعا فحكم النسب لا يختلف لأن سبب ثبات النسب هو أصل الملك لا صفة المالك والله سبحانه وتعالى أعلم وأما حكم الاستيلاد فيثبت في نصيب كل
[ ص: 245 ] واحد بقدر حصته من الملك فلا يتعدى إلى نصيب غيره .