( فصل ) :
وأما بيان
مواضع السجدة في القرآن فنقول : إنها في أربعة عشر موضعا من القرآن ، أربع في النصف الأول في آخر الأعراف ، وفي الرعد ، وفي النحل ، وفي
بني إسرائيل ، وعشر في النصف الآخر في مريم ، وفي الحج في الأولى ، وفي الفرقان ، وفي النمل ، وفي الم تنزيل السجدة ، وفي ( ص ) وفي حم السجدة ، وفي النجم ، وفي إذا السماء انشقت ، وفي اقرأ .
وقد اختلف العلماء في ثلاثة مواضع منها : أحدها ، أن في سورة الحج عندنا سجدة واحدة وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي سجدتان إحداهما في قوله تعالى {
اركعوا واسجدوا } ، واحتج بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر الجهني أنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1413أفي سورة الحج سجدتان ؟ قال : نعم ، أو قال : فضلت الحج بسجدتين من لم يسجدهما لم يقرأها } .
وهكذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء رضي الله عنهم أنهم قالوا : فضلت سورة الحج بسجدتين .
ولنا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي رضي الله عنه أنه {
عد السجدات التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد في الحج سجدة واحدة } ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم : سجدة التلاوة في الحج هي الأولى والثانية سجدة الصلاة ، وهو تأويل الحديث وهذا ; لأن السجدة متى قرنت بالركوع كانت عبارة عن سجدة الصلاة كما في قوله تعالى {
واسجدي واركعي } ، والثاني أن في سورة ( ص ) عندنا سجدة التلاوة وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي سجدة الشكر .
وفائدة الخلاف أنه لو تلاها في الصلاة سجد عندنا ، وعنده لا يسجدها واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26551قرأ آية السجدة في ص وسجدها ثم قال : سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا } .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26558قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر سورة ص فنزل وسجد وسجد الناس معه ، فلما كان في الجمعة الثانية قرأها فتشوف الناس للسجود فنزل وسجد وسجد الناس معه وقال : لم أرد أن أسجدها فإنها توبة نبي من الأنبياء وإنما سجدت ; لأني رأيتكم تشوفتم للسجود } .
( ولنا ) حديث
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه أنه قرأ في الصلاة سورة ( ص ) وسجد الناس معه وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد ، ولو لم تكن واجبة لما جاز إدخالها في الصلاة .
وروي أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19344رجلا من الصحابة قال : يا رسول الله رأيت كما يرى النائم كأني أكتب سورة ص فلما انتهيت إلى موضع السجدة سجدت الدواة والقلم ، فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم نحن أحق بها من الدواة والقلم فأمر حتى تليت في مجلسه وسجدها مع أصحابه } .
وما تعلق به
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فهو دليلنا فإنا نقول نحن نسجد ذلك شكرا لما أنعم الله على
داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب ، ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله " وأناب " بل عقيب قوله " مآب " ، وهذه نعمة عظيمة في حقنا فإنه يطمعنا في إقالة عثراتنا وغفران خطايانا وزلاتنا فكانت سجدة تلاوة ; لأن سجدة التلاوة ما كان سببها التلاوة ، وسبب وجوب هذه السجدة تلاوة هذه الآية التي فيها الإخبار عن هذه النعم على
داود عليه الصلاة والسلام وأطماعنا في نيل مثله .
وكذا سجدة النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها يدل على أنها سجدة تلاوة ، وتركه في الجمعة الثانية لا يدل على أنها ليست بسجدة تلاوة بل كان يريد التأخير .
وهي عندنا لا تجب على الفور فكان يريد أن لا يسجدها على الفور ، والثالث أن في المفصل عندنا ثلاث سجدات ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك لا سجدة في المفصل واحتج بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15619لم يسجد في المفصل بعدما هاجر إلى المدينة } .
( ولنا ) ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1459 : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدة ، ثلاث منها في المفصل } ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه قال : عزائم السجود في القرآن أربعة : الم تنزيل السجدة ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19500قرأ سورة النجم بمكة فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون إلا شيخا وضع كفا من تراب على جبهته وقال هذا يكفيني فلقيته قتل كافرا } .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15549النبي صلى الله عليه وسلم قرأ إذا السماء انشقت فسجد وسجد معه أصحابه } ; ولأنه أمر بالسجود في سورة النجم ، واقرأ باسم ربك والأمر للوجوب وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما
[ ص: 194 ] محمول على أنه كان لا يسجدها عقيب التلاوة كما كان يسجد من قبل نحمله على هذا بدليل ما روينا ، ثم في سورة حم السجدة ، عندنا السجدة عند قوله {
وهم لا يسأمون } وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=101ووائل بن حجر ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عند قوله {
إن كنتم إياه تعبدون } وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه واحتج بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رضي الله عنهما هكذا ، ولأن الأمر بالسجود ههنا فكان السجود عنده .
( ولنا ) أن السجود مرة بالأمر ، ومرة بذكر استكبار الكفار فيجب علينا مخالفتهم ، ومرة عند ذكر خشوع المطيعين فيجب علينا متابعتهم وهذه المعاني تتم عند قوله {
وهم لا يسأمون } فكان السجود عنده أولى ولأن فيما ذهب إليه أصحابنا أخذا بالاحتياط عند اختلاف مذاهب الصحابة رضي الله عنهم فإن السجدة لو وجبت عند قوله {
تعبدون } فالتأخير إلى قوله {
لا يسأمون } لا يضر ويخرج عن الواجب .
ولو وجبت عند قوله {
لا يسأمون } لكانت السجدة المؤداة قبله حاصلة قبل وجوبها ووجود سبب وجوبها فيوجب نقصانا في الصلاة ولم يؤد الثانية فيصير المصلي تاركا ما هو واجب في الصلاة ، فيصير النقص متمكنا في الصلاة من وجهين ولا نقص فيما قلنا ألبتة وهذا هو أمارة التبحر في الفقه والله الموفق .