ومنها
أن تكون موافقة للدعوى فيما يشترط فيه الدعوى فإن خالفتها لا تقبل إلا إذا وفق المدعي بين الدعوى وبين الشهادة عند إمكان التوفيق ; ; لأن الشهادة إذا خالفت الدعوى فيما يشترط فيه الدعوى ، وتعذر التوفيق انفردت عن الدعوى ، والشهادة المنفردة عن الدعوى فيما يشترط فيه الدعوى غير مقبولة ، وبيان ذلك في مسائل : إذا ادعى ملكا بسبب ، ثم أقام البينة على ملك مطلق لا تقبل ، وبمثله لو ادعى ملكا مطلقا ثم أقام البينة على الملك بسبب تقبل .
( ووجه ) الفرق أن الملك المطلق أعم من الملك بسبب ; ; لأنه يظهر من الأصل حتى تستحق به الزوائد ، والملك بسبب يقتصر على وقت وجود السبب ، فكان الملك المطلق أعم ، فصار المدعي بإقامة البينة على الملك المطلق مكذبا شهوده في بعض ما شهدوا به .
والتوفيق متعذر ; ; لأن الملك من الأصل ينافي الملك الحادث بسبب لاستحالة ثبوتهما معا في محل واحد ، بخلاف ما إذا ادعى الملك المطلق ثم أقام البينة على الملك بسبب ; ; لأن الملك بسبب أخص من الملك المطلق على ما بينا فقد شهدوا بأقل مما ادعى ، فلم يصر المدعي مكذبا شهوده ، بل صدقهم فيما شهدوا به ، وادعى زيادة شيء لا شهادة لهم عليه ، وصار كما لو ادعى ألفا وخمسمائة فشهد الشهود على ألف أنه تقبل البينة على الألف لما ، قلنا كذا هذا ،
ولو ادعى الملك بسبب معين ، ثم أقام البينة على الملك بسبب آخر : بأن ادعى دارا في يد رجل أنه ورثها من أبيه ، ثم أقام البينة على الملك : أنه اشتراها من صاحب اليد أو وهبها له أو تصدق بها عليه وقبض ، أو ادعى الشراء أو الهبة أو الصدقة ، ثم أقام البينة على الإرث لا تقبل بينته ; ; لأن الشهادة خالفت الدعوى لاختلاف البينتين صورة ومعنى ، أما الصورة فلا شك فيها .
وأما المعنى ; فلأن حكم البينتين يختلف فلا يقبل إلا إذا وفق بين الدعوى والشهادة ، فقال : كنت اشتريت منه لكنه جحدني الشراء وعجزت عن إثباته فاستوهبت منه فوهب مني ، وقبضت ، وأعاد البينة ، تقبل ; ; لأنه وفق فقد زالت المخالفة وظهر أنه لم يكذب شهوده ، ويصير هذا في الحقيقة ابتداء .
ولهذا يجب عليه إعادة البينة لتقع الشهادة عند الدعوى ، وكذا إذا وفق فقال : ورثته من أبي إلا أنه جحد إرثي فاشتريت منه ، أو وهب لي فإنها تقبل لزوال التناقض والاختلاف بين الدعوى والشهادة ، ولو ادعى الشراء بعد هذا وأقام البينة على الشراء بألف درهم لا تقبل ; ; لأن البدل قد اختلف ، واختلاف البدل يوجب اختلاف العقد ، فقد قامت البينة على عقد آخر غير ما ادعاه المدعي ، فلا تقبل إلا إذا وفق المدعي ، فقال : اشتريت بالعبد إلا أنه جحدني الشراء به فاشتريته بعد ذلك بألف درهم ، فتقبل لزوال المخالفة ، وهذا إذا كان دعوى التوفيق في مجلس آخر بأن قام عن مجلس الحكم ثم جاء وادعى التوفيق .
فأما إذا لم يقم عن مجلس الحكم فدعوى التوفيق غير مسموعة ، ولو ادعى أنه له ثم أقام البينة على أنه لفلان وكله بالخصومة فيه ، تقبل بينته ، وبمثله لو ادعى أنه لفلان وكلني بالخصومة فيه ، ثم أقام البينة على أنه له لا تقبل ، ووجه الفرق أن قوله أولا : إنه لي لا ينفي قوله : إنه لفلان وكلني بالخصومة فيه لجواز أن يكون له بحق الخصومة والمطالبة ، ولغيره بحق الملك ، فكان التوفيق ممكنا فقبلت البينة بخلاف الفصل الثاني ; ; لأن قوله هو لفلان وكلني بالخصومة فيه ، ينفي قوله بعد ذلك هو لي ; لأنه صرح بأن الملك فيه لفلان ، وأنه وكيل بالخصومة فيه بقوله : إنه لفلان وكلني بالخصومة فيه ، فكان قوله بعد ذلك : " هو لي " إقرارا منه بالملك لنفسه فكان مناقضا فلا تقبل ،
ولو ادعى أنه لفلان وكلني بالخصومة فيه ثم أقام البينة على أنه لفلان آخر وكلني بالخصومة فيه ، لا تقبل ; ; لأن قوله أولا : إنه لفلان
[ ص: 274 ] وكلني بالخصومة فيه ، كما ينفي قوله : " إنه لي " ينفي قوله : " إنه لفلان آخر وكلني بالخصومة فيه " فلا تقبل إلا إذا وفق فقال : " إن الموكل الأول باع من الموكل الثاني ثم وكلني الثاني بالخصومة " فيقبل لزوال المناقضة ، ولو ادعى في ذي القعدة أنه اشترى منه هذه الدار في شهر رمضان بألف ونقده الثمن ، ثم أقام البينة على أنه تصدق بالدار على المدعي في شعبان ، لا تقبل بينته ; ; لأن دعوى التصدق في شعبان تنافي الشراء في شهر رمضان لاستحالة شراء الإنسان ملك نفسه ، والتوفيق غير ممكن فلا تقبل .
وإن أقام البينة على التصدق في شوال ، ووفق فقال : " جحدني الشراء ثم تصدق بها علي " تقبل ولو ادعى دارا في يدي رجل أنها له وأقام البينة على أنها كانت في يد المدعي بالأمس لا تقبل ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنها تقبل ويؤمر بالرد إليه ، ولو أقام صاحب اليد البينة على أنها كانت ملكا للمدعي تقبل بالإجماع ( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف - رحمه الله - أن البينة لما قامت على أنها ما كانت في يده ، فالأصل في الثابت بقاؤه ، ولهذا قبلت البينة على ملك كان ; ولأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ، ولو ثبت بالمعاينة أو بالإقرار أنه كان في يده بالأمس يؤمر بالرد إليه كذا هذا ( وجه ) ظاهر الرواية أن الشهادة قامت على يد كانت ، فلا يثبت الكون للحال إلا بحكم استصحاب الحال ، وأنه لا يصلح للإلزام ، ; ولأن اليد قد تكون محقة ، وقد تكون مبطلة ، وقد تكون يد ملك ، وقد تكون يد أمانة ، فكانت محتملة ، والمحتمل لا يصلح حجة ، بخلاف الملك والمعاينة ، وبخلاف الإقرار ; ; لأنه حجة بنفسه ، والبينة ليست بحجة بنفسها بل بقضاء القاضي ، ولا وجه للقضاء بالمحتمل ، ولو أقام البينة أنها كانت في يده بالأمس فأخذها هذا منه ، أو غصبها أو أودعه أو أعاره تقبل ، ويقضي للخارج ; لأنه علم بالبينة أنه تلقى اليد من جهة الخارج فيؤمر بالرد إليه ، وعلى هذا يخرج ما إذا ادعى دارا في يد رجل أنه ورثها من أبيه وأقام البينة على أنها كانت لأبيه ، فنقول هذا لا يخلو من أربعة أوجه ، إما أن شهدوا أن الدار كانت لأبيه ولم يقولوا مات وتركها ميراثا له ، وإما أن قالوا إنها كانت لأبيه مات وتركها ميراثا له ، وإما أن قالوا إنها كانت في يد أبيه يوم الموت ، وإما أن أثبتوا من أبيه فعلا فيها عند موته أما الوجه الأول فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد - رحمهما الله - " لا تقبل الشهادة " وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف " تقبل " ، وكذا لو شهدوا أنها كانت لأبيه مات قبلها لا تقبل ، قالوا : يجب أن يكون هذا على قولهما ، أما على قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف على ما روي عنه في الأمالي " ينبغي أن تقبل " ، ( وجه ) قوله أن الملك متى ثبت لأبيه بشهادتهم ، فالأصل فيما ثبت يبقى إلى أن يوجد المزيل فصار كما لو شهدوا أنها كانت لأبيه يوم الموت أيضا ( وجه ) قولهما أن الشهادة خالفت الدعوى ; ; لأن المدعي ادعى ملكا كائنا ، والشهادة وقعت بملك كان لا بملك كائن ، فكانت الشهادة مخالفة للدعوى فلا يقبل قوله ما ثبت يبقى ، قلنا : نعم لكن لا حكما لدليل الثبوت ; لأن دليل الثبوت لا يتعرض للبقاء ، وإنما البقاء بحكم استصحاب الحال ، وإنه لا يصلح حجة للاستحقاق ، ولو شهدوا أنها كانت لجده فعندهما لا يقضي بها ما لم يشهدوا بالميراث بأن يقولوا : " مات جده وتركها لأبيه ثم مات أبوه وتركها ميراثا له " وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ينظر : إن علم أن الجد مات قبل الأب يقضي بها له ، وإن علم أن الأب مات قبل الجد أو لم يعلم لم يقض بها ، ولو شهدوا أنها لأبيه لا يقضي بها له ، منهم من قال هذا على الاتفاق ، ومنهم من قال هو على الخلاف الذي ذكرناه ، وهو الصحيح ، فإنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنها تقبل وأما الوجه الثاني - وهو ما إذا شهدوا أنها كانت لأبيه مات وتركها ميراثا له ، فلا شك أن هذه الشهادة مقبولة ; ; لأنهم شهدوا بالملك الموروث عند الموت والترك ميراثا له ، وهو تفسير الملك الموروث وأما الوجه الثالث - وهو ما إذا شهدوا أنها كانت في يده يوم الموت ، فالشهادة مقبولة ; ; لأن مطلق اليد من الأصل يحمل على يد المالك فكانت الشهادة بيد قائمة عند الموت شهادة بملك قائم عند الموت ، فإذا مات فقد ترك فثبت الملك له في المتروك ، إذ هو تفسير الملك الموروث ; ولأن يده إن كانت يد ملك كان الملك ثابتا للمورث عند الموت ، وإن كانت يد أمانة انتقلت يد ملك إذا مات مجهلا ; ; لأن التجهيل عند الموت سبب لوجوب الضمان ، ووجوب الضمان سبب لثبوت الملك في المضمون عندنا وأما الوجه الرابع ، وهو ما إذا ثبت ليد المشهود من الأب فعلا في العين عند الموت ، فهذا على وجهين : إما أن يكون ذلك فعلا هو دليل اليد ، وإما أن يكون فعلا ليس هو دليل اليد ، والفعل
[ ص: 275 ] الذي هو دليل اليد هو فعل لا يتصور وجوده بدون النقل في النقليات ، كاللبس والحمل ، أو فعل يوجد للنقل عادة ، كالركوب في الدواب ، أو فعلا يوجد في الغالب من الملاك فيما لا يقبل النقل لا من غيرهم كالسكنى في الدور ، والفعل الذي ليس بدليل اليد هو فعل ثبت في النقليات من غير نقل ، ولا يكون حصوله للنقل عادة كالجلوس على البساط ، أو فعل ليس بفعل للملاك غالبا فيما لا يقبل ، كالنوم والجلوس في الدار وأشباه ذلك فإن كان فعلا هو دليل اليد تقبل الشهادة القائمة على ثبوته عند موت الأب ، ; لأن الشهادة القائمة على ما هو دليل اليد عند الموت قائمة على اليد عند الموت ، وإن كان فعلا ليس بدليل اليد لا تقبل الشهادة ; لأنه لم يوجد دليل اليد التي هي دلالة الملك ; وعلى هذا يخرج ما إذا أقام المدعي البينة أن أباه مات في هذه الدار : أنها لا تقبل ; لأنه لم توجد الشهادة على اليد الدالة على الملك ، ولا على فعل دال على اليد ، ولا على فعل هو فعل الملاك غالبا ; لأن الدار قد يموت فيها المالك ، وقد يموت فيها غير المالك من الزوار والضيف ونحوه ، ولو شهدوا أنه مات وهو لابس هذا القميص ، أو لابس هذا الخاتم تقبل ; ; لأن لبس القميص والخاتم فعل لا يتصور بدون النقل ، فكان دليلا على اليد عند الموت أطلق
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد - رحمه الله - في الجامع الجواب في الخاتم ، ومنهم من حمل جواب الكتاب على ما إذا كان الخاتم في خنصره أو بنصره يوم الموت ، وزعم أنه إذا كان فيما سواهما من الأصابع لا تقبل الشهادة ; لأن استعمال الملاك في الخاتم هذا عادة فكانت الشهادة القائمة عليه قائمة على اليد ، فأما جعله فيما سواهما من الأصابع من الملاك فهو ليس بمعتاد فلا يكون ذلك استعمال الخاتم ، فلا يكون دليل اليد ، ولهذا قالوا لو جعل المودع الخاتم في خنصره أو بنصره فضاع من يده يضمن لما أنه استعمله ، ولو جعله فيما سواهما الأصابع فضاع لا يضمن لما أن ذلك حفظ وليس باستعمال ، والصحيح إطلاق جواب الكتاب ; لأن فعله كيف ما كان لا يتصور بدون النقل فكان دليلا على اليد ، ولو شهدوا أنه مات وهو جالس على هذا البساط ، أو على هذا الفراش أو نائم عليه ، لا تقبل ; لأن هذه الأفعال تتصور من غير نقل ولا تفعل للنقل عادة ، فلم يكن دليل اليد ، فإن قيل أليس أنه لو تنازع اثنان في بساط ، أحدهما جالس عليه ، والآخر متعلق به أنه يكون بينهما نصفين ، وهذا دليل ثبوت يديهما عليه قيل له : إنما قضى به بينهما نصفين لدعواهما أنه في يديهما لا لثبوت اليد ; لأن الجلوس عليه والتعلق به ، كل واحد منهما يتحقق بدون النقل ، ولا يوجد أن النقل غالبا على ما بينا ، فلا يكون دليل اليد ، ولو شهدوا أنه مات وهو راكب على هذه الدابة تقبل ، ويقضي بالدابة للوارث ; لأن الركوب وإن كان يتهيأ بدون نقل الدابة ، إلا أنه لا يفعل عادة إلا للنقل ، فكان دليل اليد ، ولو شهدوا أنه مات وهو ساكن هذه الدار تقبل ، ويقضي للوارث ( وروي ) عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه لا تقبل ولا يقضي ، ( ووجهه ) أن فعل السكنى في الدار كما يوجد من الملاك يوجد من غيرهم فلا يصلح دليلا على اليد ، والصحيح جواب ظاهر الرواية ; ; لأن السكنى فعل يوجد في الغالب من الملاك لا من غيرهم هذا هو المعتاد فيما بين الناس فيحمل المطلق عليه ، ولو شهدوا أنه مات وهذا الثوب موضوع على رأسه ، ولم يشهدوا أنه كان حاملا له لا تقبل ، ولا يستحق المدعي بهذا شيئا ; لأنه يحتمل أنه وضعه بنفسه ، أو وضعه غيره ، ويحتمل أنه وقع عليه من غير صنع أحد بأن هبت ريح به فألقته على رأسه فوقع الشك في النقل منه ، فلا يثبت النقل منه بالشك ، فلا تثبت اليد بالشك ، ثم نقول إذا شهد الشهود أنها كانت لأبيه مات وتركها ميراثا للورثة ، فلا يخلو إما أن قالوا : " هذا وارثه لا وارث له غيره " ، وإما أن قالوا : " هو وارثه لا نعلم أن له وارثا غيره " ، وإما أن قالوا : " هو وارثه " ، ولم يقولوا لا وارث له غيره ، ولا قالوا : " لا نعلم له وارثا غيره " فأما الوجه الأول - وهو ما إذا قالوا : " هو وارثه لا وارث له غيره " فإنه تقبل شهادتهم استحسانا ، والقياس أن لا تقبل ; لأنها كشهادة على ما لا علم للشاهد به لاحتمال أن يكون له وارث لا يعلمه ، وقد قال عليه السلام للشاهد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10292إذا علمت مثل الشمس فاشهد ، وإلا فدع } ( وجه ) الاستحسان أن قولهم لا وارث له غيره معناه في متعارف الناس وعاداتهم : لا نعلم له وارثا غيره ، أو لا وارث له غيره في علمنا ، ولو نص على ذلك لقبلت شهادتهم ، فكذا هذا والله سبحانه أعلم ( وأما ) الوجه الثاني - وهو ما إذا قالوا : " هو وارثه لا نعلم له وارثا غيره "
[ ص: 276 ] تقبل شهادتهم عند عامة العلماء رضي الله عنهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى - رحمه الله - لا تقبل حتى يقولوا : " لا وارث له غيره " ; لأنهم لو لم يقولوا : " لا وارث له غيره " احتمل أن يكون له وارث غيره لا يعلمونه ، والصحيح قول العامة ; لأن الشاهد إنما تحل له الشهادة بما في علمه ، ونفي وارث آخر ليس في علمه ، فلا تحل له الشهادة به ، إلا على اعتبار ما في علمه على ما ذكرنا ولو قالوا : " لا نعلم له وارثا غيره في هذا المصر ، أو في أرض كذا " تقبل عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وعندهما لا تقبل ( وجه ) قولهما أن قولهم : " لا نعلم له وارثا غيره في هذا المصر " لا ينفي وارثا غيره لجواز أن يكون له وارث آخر في مصر آخر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة - رحمه الله - أنه لو كان له وارث آخر في موضع آخر لعلموه ; لأن وارث الإنسان لا يخفى على أهل بلده عادة ، فكان التخصيص والتعميم فيه سواء ، ثم إذا شهدوا أنه وارثه لا وارث له غيره ، أو شهدوا أنه وارثه لا نعلم له وارثا غيره ، أو لا نعلم له وارثا غيره في هذا المصر على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه فإنه يدفع كل التركة إليه ، سواء كان الوارث ممن لا يحتمل الحجب ، كالابن والأب والأم ونحوهم ، أو يحتمله ، كالأخ والأخت والجد ونحوهم ; لأنه تعين وارثا له فيدفع إليه جميع الميراث إلا إذا كان زوجا أو زوجة فلا يعطى إلا أكثر نصيبه ، فلا يعطى الزوج إلا النصف ، ولا تعطى المرأة إلا الربع ; لأنهما لا يستحقان من الميراث أكثر من ذلك ; لأنه لا يرد عليهما ، وفي هذين الموضعين لا يؤخذ من الوارث كفيل بالإجماع وأما الوجه الثالث - وهو ما إذا شهدوا أنه وارثه ولم يقولوا : " لا وارث له غيره " ، ولا قالوا : " لا نعلم له وارثا غيره " فإنه ينظر إن كان ممن يحتمل الحجب لا يدفع إليه شيء لجواز أن يكون ثمة حاجب ، فإن كان لا يعطى ، وإن لم يكن يعطى بالشك ، وإن كان ممن لا يحتمل الحجب يدفع إليه جميع المال إلا الزوج والزوجة ، فإنه لا يدفع إليهما إلا نصيبهما ، وهو أكثر النصيبين ، عند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد - رحمه الله - للزوج النصف وللمرأة الربع ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف - رحمه الله - أقل النصيبين ، للزوج الربع وللمرأة الثمن في ظاهر الرواية عنه ( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد - رحمه الله - أن النقصان عن أكثر النصيبين باعتبار المزاحمة ، وفي وجود المزاحم شك ، فلا يثبت النقصان بالشك ،
nindex.php?page=showalam&ids=14954ولأبي يوسف - رحمه الله - أن الأقل ثابت بيقين ، وفي الزيادة شك فلا تثبت الزيادة بالشك وروي عنه رواية أخرى أن للزوج الربع وللمرأة ربع الثمن لجواز أن يكون له أربع نسوة فيكون لها ربع الثمن ; لأنه ثابت بيقين وفي الزيادة شك ، وروى عنه أصحاب الإملاء وللزوج الخمس ، وللمرأة ربع التسع ، أما الزوج ; فلأن من الجائز أن يكون للمرأة أبوان وبنتان وزوج ، أصل المسألة من اثني عشر ، للأبوين السدسان : أربعة ، وللبنتين الثلثان : ثمانية ، وللزوج الربع : ثلاثة ، فعالت بثلاثة أسهم فصارت الفريضة من خمسة عشر ، وثلاثة من خمسة عشر : خمسها فذلك للزوج .
وأما المرأة ; فلأن من الجائز أن يكون للميت أبوان وبنتان وزوجة ، أصل المسألة من أربعة وعشرين ، للأبوين السدسان : ثمانية ، وللبنتين الثلثان : ستة عشر ، وللزوجة الثمن : ثلاثة ، فعالت بثلاثة أسهم فصارت الفريضة سبعة وعشرين ، وثلاثة من سبعة وعشرين : تسعها ، ثم من الجائز أن يكون معها ثلاثة أخرى فيكن أربع زوجات ، فيكون لها ربع التسع ، وثلاثة على أربعة لا تستقيم ، فتضرب أربعة في تسعة ، ويكون ستة وثلاثين سهما ، تسعها : أربعة ، فلها من ذلك سهم ، وهو ربع التسع ، وهو سهم من ستة وثلاثين سهما ، ثم في هذا الوجه الثالث إذا كان الوارث ممن لا يحتمل الحجب ودفع المال إليه هل يؤخذ منه كفيل ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة - عليه الرحمة - : " لا يؤخذ " ، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - : " يؤخذ " ( وجه ) قولهما أن أخذ الكفيل لصيانة الحق ، والحاجة مست إلى الصيانة لاحتمال ظهور وارث آخر فيؤخذ الكفيل نظرا للوارث ، كما في رد الآبق واللقطة إلى صاحبها ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة - رحمه الله - إن حق الحاضر للحال ثابت بيقين ، وفي ثبوت الحق لوارث آخر شك ; لأنه قد يظهر وارث آخر ، وقد لا يظهر ، فلا يجوز تعطيل الحق الثابت بيقين لحق مشكوك فيه مع ما أن المكفول له مجهول ، والكفالة للمجهول غير صحيحة ، وإنما أخذ الكفيل بتسليم الآبق واللقطة ، فقد قيل : إنه قولهما لما أن في المسألة روايتين فأما عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - فلا يؤخذ الكفيل على أنا سلمنا فتلك كفالة لمعلوم لا لمجهول ; لأن الراد إنما يأخذ الكفيل لنفسه كي لا يلزمه الضمان فلم تكن كفالة لمجهول وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة - رحمه الله - هذه المسألة في الجامع الصغير
[ ص: 277 ] وقال هذا شيء احتاط به بعض القضاة ، وهو ظلم ، أرأيت لو لم يجد كفيلا كنت أمنعه حقه دلت تسميته أخذ الكفيل ظلما على أن مذهبه : أن ليس كل مجتهد مصيبا ، إذ الصواب لا يحتمل أن يكون ظلما فدلت المسألة على براءة ساحته عن لوث الاعتزال بحمد الله ومنه .