بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) الكلام في قدره فهو أنه يسلم تسليمتين ، إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره عند عامة العلماء ، وقال بعضهم : يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه ، وهو قول مالك ، وقيل : هو قول الشافعي ، وقال بعضهم : يسلم تسليمة واحدة عن يمينه ، وقال مالك في قول : يسلم المقتدي تسليمتين ثم يسلم تسليمة ثالثة ينوي بها رد السلام على الإمام ، واحتجوا بما روي عن عائشة رضي الله عنها أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة تلقاء وجهه } .

وروي عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يسلم تسليمة عن يمينه } ولأن التسليم شرع للتحليل وأنه يقع بالواحدة فلا معنى للثانية .

( ولنا ) ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : { صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكانوا يسلمون تسليمتين عن أيمانهم وعن شمائلهم } .

وروي عن علي أنه قال { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمتين أولهما أرفعهما } ، ولأن إحدى التسليمتين للخروج عن الصلاة والثانية للتسوية بين القوم في التحية .

وأما الأحاديث فالأخذ بما روينا أولى لأن عليا وابن مسعود كانا من كبار الصحابة وكانا يقومان بقربه صلى الله عليه وسلم كما قال : { ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى } فكانا أعرف بحال [ ص: 195 ] النبي صلى الله عليه وسلم { وعائشة رضي الله عنها كانت تقوم في حيز صفوف النساء وهو آخر الصفوف ، وسهل بن سعد كان من الصغار وكان في أخريات الصفوف وكانا يسمعان التسليمة الأولى لرفعه صلى الله عليه وسلم بها صوته ولا يسمعان الثانية لخفضه بها صوته } ، وقولهم التحليل يحصل بالأولى فكذلك ولكن الثانية ليست للتحليل بل للتسوية بين القوم في التسليم عليهم والتحية ، وبه تبين أنه لا حاجة إلى التسليمة الثالثة ; لأنه لا يحصل بها التحليل ولا التسوية بين القوم ، والتحية ورد السلام على الإمام يحصل بالتسليمتين ، إليه أشار أبو حنيفة حين سأله أبو يوسف هل يرد على الإمام السلام من خلفه فيقول وعليك ؟ قال : لا .

وتسليمهم رد عليه ولأن التسليمة الثالثة لو كانت ثابتة لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلمها الأمة فعلا كما فعلوا التسليمتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية