بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما شرائط وجوبه فأنواع : بعضها يرجع إلى القاذف ، وبعضها يرجع إلى المقذوف ، وبعضها يرجع إليهما جميعا ، وبعضها إلى المقذوف به ، وبعضها يرجع إلى المقذوف فيه ، وبعضها يرجع إلى نفس القذف .

أما الذي يرجع إلى القاذف فأنواع ثلاثة : أحدها - العقل ، والثاني - البلوغ ، حتى لو كان القاذف صبيا أو مجنونا لا حد عليه ; لأن الحد عقوبة فيستدعي كون القذف جناية ، وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بكونه جناية ، والثالث - عدم إثباته بأربعة شهداء ، فإن أتى بهم لا حد عليه ; لقوله سبحانه وتعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } علق - سبحانه وتعالى - وجوب إقامة الحد بعد الإثبات بأربعة شهود ، وليس المراد منه عدم الإتيان في جميع العمر ، بل عند القذف والخصومة ، إذ لو حمل على الأبد لما أقيم حد أصلا ، إذ لا يقام بعد الموت ; ولأن الحد إنما وجب لدفع عار الزنا عن المقذوف ، وإذا ظهر زناه بشهادة الأربعة لا يحتمل الاندفاع بالحد ; ولأن هذا شرط يزجر عن قذف المحصنات .

وأما حرية القاذف وإسلامه وعفته عن فعل الزنا فليس بشرط ; فيحد الرقيق والكافر ومن لا عفة له عن الزنا ، والشرط إحصان المقذوف لا إحصان القاذف ، والله - سبحانه وتعالى - الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية