بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) مفاداة الأسير فلا تجوز عند أبي حنيفة - عليه الرحمة - وعند أبي يوسف ومحمد تجوز .

( وجه ) قولهما أن في المفاداة إنقاذ المسلم ، وذلك أولى من إهلاك الكافر ولأبي حنيفة ما ذكرنا أن قتل المشركين فرض بقوله - تعالى - { فاقتلوا المشركين } وقوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق } فلا يجوز تركه إلا لما شرع له إقامة الفرض وهو التوسل إلى الإسلام ; لأنه لا يكون تركا معنى ، وذا لا يحصل بالمفاداة ، ويحصل بالذمة والاسترقاق فيمن يحتمل ذلك على ما بينا ، ولما ذكرنا أن فيها إعانة لأهل الحرب على الحرب ; لأنهم يرجعون إلى المنعة فيصيرون حربا على المسلمين ، ثم اختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما قال أبو يوسف : تجوز المفاداة قبل القسمة ، ولا تجوز بعدها وقال محمد : تجوز في الحالين .

( وجه ) قول محمد أنه لما جازت المفاداة قبل القسمة ، فكذا بعد القسمة ; لأن الملك إن لم يثبت قبل القسمة فالحق ثابت ، ثم قيام الحق لم يمنع جواز المفاداة ، فكذا قيام الملك .

( وجه ) قول أبي يوسف أن المفاداة بعد القسمة إبطال ملك المقسوم له من غير رضاه ، وهذا لا يجوز في الأصل ، بخلاف ما قبل القسمة ; لأنه لا ملك قبل القسمة ، إنما الثابت حق غير متقرر ، فجاز أن يكون محتملا للإبطال بالمفاداة والله - تعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية