( فصل ) :
وأما شرائط الركن فأنواع منها أن يكون
الإذن لمن يعقل التجارة ; لأن الإذن بالتجارة لمن لا يعقل سفه ، فأما البلوغ فليس بشرط لصحة الإذن فيصح الإذن للعبد بالغا كان أو صبيا بعد أن كان يعقل البيع والشراء لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43683كان يجيب دعوة المملوك من غير فصل } فدل الحديث على جواز الإذن بالتجارة ; لأنه عليه الصلاة والسلام ما كان ليجيب دعوة المحجور ويأكل من كسبه فتعين المأذون ، وكذا الإذن للأمة والمدبرة وأم الولد بعد أن عقلوا التجارة ; لأن اسم المملوك يتناول الكل ، وكذا يجوز
الإذن للصبي الحر بالتجارة إذا كان يعقل التجارة وهذا عندنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - لا يجوز الإذن للصبي بالتجارة بحال حرا كان أو عبدا ، وكذا سلامة العقل عن الفساد أصلا ليس بشرط لصحة الإذن عندنا حتى يجوز الإذن للمعتوه الذي يعقل البيع والشراء بالتجارة وعنده شرط .
( وجه ) قوله أن الصبي ليس من أهل التجارة فلا يصح الإذن له بالتجارة وهذا ; لأن أهلية التجارة بالعقد الكامل ; لأنه تصرف دائر بين الضرر والنفع فلا بد لها من كمال العقل وعقل الصبي ناقص فلا يكفي لأهلية التجارة ، ولهذا لم يعتبر عقله في الهبة والصدقة والطلاق والعتاق كذا ههنا .
( ولنا ) قوله تبارك وتعالى {
وابتلوا اليتامى } أمر سبحانه وتعالى الأولياء بابتلاء اليتامى ، والابتلاء هو الإظهار فابتلاء اليتيم إظهار عقله بدفع شيء من أمواله إليه ; لينظر الولي أنه هل يقدر على حفظ أمواله عند النوائب ولا يظهر ذلك إلا بالتجارة فكان الأمر بالابتلاء إذنا بالتجارة ، ولأن الصبي إذا كان يعقل التجارة يعقل النافع من الضار فيختار المنفعة على المضرة ظاهرا فكان أهلا للتجارة كالبالغ بخلاف الهبة والصدقة والطلاق ونحوها ; لأنها من التصرفات الضارة المحضة لكونها إزالة ملك لا إلى عوض فلم يجعل الصبي أهلا لها نظرا دفعا للضرر عنه ومنها العلم بالإذن بالتجارة في أحد نوعي الإذن بلا خلاف .
وبيان ذلك أن الإذن بالإضافة إلى الناس ضربان : إذن إسرار وإذن إعلان وهو المسمى بالخاص والعام في الكتاب ، فالخاص أن يقول أذنت لعبدي في التجارة لا على وجه ينادي أهل السوق فيقول : بايعوا عبدي فلانا فإني قد أذنت له في التجارة ولا خلاف في أن العلم بالإذن شرط لصحة الإذن في هذا النوع ; لأن الإذن هو الإعلام قال الله تعالى : {
وأذان من الله ورسوله } أي إعلام ، والفعل لا يعرف إعلاما إلا بعد تعلقه بالعلم ، ولأن إذن العبد يعتبر بإذن الشرع ثم حكم الإذن من الشرع لا يثبت في حق المأذون إلا بعد علمه به فعلى ذلك إذن العبد ، ولهذا كان العلم بالوكالة شرطا لصحتها على ما ذكرنا في كتاب الوكالة كذا هذا حتى لم يصح تصرف الوكيل قبل العلم بالوكالة .
وأما في الإذن العام فقد ذكرنا في كتاب المأذون أنه يصير مأذونا ، وإن لم يعلم به العبد ، وذكر في الزيادات فيمن قال : لأهل السوق بايعوا ابني فلانا فبايعوه والصبي لا يعلم
[ ص: 194 ] بالإذن أنه لا يصير مأذونا ما لم يعلم بإذن الأب منهم من أثبت اختلاف الروايتين في جواز الإذن القائم من غير علم العبد ومنهم من لم يثبت الاختلاف وفرق بين العبد والصبي فجعل العلم شرطا في الصبي دون العبد .
( ووجه ) الفرق أن انحجار العبد لحق مولاه ، فإذا أذن انفك بمبايعته فقد أسقط حق نفسه فانفك الحجر فصار مأذونا بخلاف الصبي ; لأن انحجاره عن التصرف لحق نفسه لا لحق أبيه ألا ترى أن العهدة تلزمه دون أبيه ، فشرط علمه بالإذن الذي هو إزالة الحجر ليكون لزوم العهدة في التجارة مضافا إليه ، ويحتمل أن يفرق بينهما من وجه آخر وهو أن الإذن على سبيل الاستفاضة سبب لحصول العلم لهما جميعا إلا أن السبب لا يقام مقام المسبب إلا لضرورة ، والضرورة في حق العبد دون الصبي ; لأن الناس يحتاجون إلى مبايعة العبد المأذون ; لأن الإذن للعبد بالتجارة من عادات التجار وإذا وجد الإذن على الاستفاضة وأنه سبب لحصول العلم غالبا فالناس يعاملونه بناء على هذه الدلالة ثم يظهر أنه ليس بمأذون ; لانعدام العلم حقيقة فتتعلق ديونهم بذمة المفلس وتتأخر إلى ما بعد العتق فيؤدي إلى الضرر بهم بخلاف الصبيان ; لأن إذن الصبي بالتجارة ليس من عادة التجار ، والناس أيضا لا يعاملون الصبيان عادة ، ولو توقف الإذن على حقيقة العلم لا يلحقهم الضرر إلا على سبيل الندرة ، والنادر ملحق بالعدم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .