وأما
الذي يرجع إلى نفس القتل فنوع واحد ، وهو أن يكون القتل مباشرة فإن كان تسبيبا لا يجب القصاص ; لأن القتل تسبيبا لا يساوي القتل مباشرة ، والجزاء قتل بطريق المباشرة ، وعلى هذا يخرج
من حفر بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها إنسان ومات أنه لا قصاص على الحافر ; لأن الحفر قتل سببا لا مباشرة ، وعلى هذا يخرج شهود القصاص إذا رجعوا بعد قتل المشهود عليه أو جاء المشهود بقتله حيا أنه لا قصاص عليهم عندنا خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي - رحمه الله - .
( وجه ) قوله أن شهادة الشهود وقعت قتلا ، لأن القتل اسم لفعل مؤثر في فوات الحياة عادة ، وقد وجد من الشهود ; لأن شهادتهم مؤثرة في ظهور القصاص ، والظهور مؤثر في وجوب القضاء على القاضي وقضاء القاضي مؤثر في ولاية الاستيفاء ، وولاية الاستيفاء مؤثرة في الاستيفاء طبعا وعادة ، فكانت فوات الحياة بهذه الوسائط مضافة إلى الشهادة السابقة فكانت شهادتهم قتلا تسبيبا ، والقتل تسبيبا مثل القتل مباشرة في حق وجوب القصاص كالإكراه على القتل أنه يوجب القصاص على المكره ، وإن لم يكن قتلا بطريق المباشرة لوقوعه قتلا بطريق التسبيب ، كذا هذا .
( ولنا ) ما ذكرنا أن القتل تسبيبا لا يساوي القتل مباشرة ; لأن القتل تسبيبا قتل معنى لا صورة ، والقتل مباشرة قتل صورة ومعنى ، والجزاء قتل مباشرة بخلاف الإكراه على القتل ; لأنه قتل مباشرة ، لأنه يجعل المكره آلة المكره كأنه أخذه وضربه على المكره على قتله ، والفعل لمستعمل الآلة لا للآلة فكان قتلا مباشرة ، ويضمنون الدية بوجود القتل منهم ، وهل يرجعون بها على الولي ؟ اختلف أصحابنا الثلاثة فيه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة عليه الرحمة : لا يرجعون ، وعندهما يرجعون ، ولهما أن الشهود بأداء الضمان قاموا مقام المقتول في ملك بدله إن لم يقوموا مقامه في ملك
[ ص: 240 ] عينه فأشبه
غاصب المدبر إذا غصب منه فمات في يد الغاصب الثاني أن للأول أن يرجع على الثاني بما ضمنه المالك لما ذكرنا كذا هذا
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة رحمه الله أن الدية بدل النفس ، ونفس الحر لا يحتمل التملك فلا يثبت الملك لهم في البدل بخلاف المدبر ; لأنه محتمل للتملك لكونه قاتلا ، إلا أنه امتنع ثبوت الملك فيه لمعارض وهو التدبير ، فيثبت في بدله ، والله سبحانه ، وتعالى أعلم .