ومنها
الصلح على مال ; لأن القصاص حق للمولى ، ولصاحب الحق أن يتصرف في حقه استيفاء وإسقاطا إذا كان من أهل الإسقاط ، والمحل قابل للسقوط ، ولهذا يملك العفو فيملك الصلح ، ولأن المقصود من استيفاء القصاص ، وهو الحياة ، يحصل به ; لأن الظاهر أن عند أخذ المال عن صلح ، وتراض تسكن الفتنة فلا يقصد الولي قتل القاتل ، فلا يقصد القاتل قتله فيحصل المقصود من استيفاء القصاص بدونه ، وقيل إن قوله تبارك وتعالى {
فمن عفي له من أخيه شيء } الآية نزلت في الصلح عن دم العمد فيدل على جواز الصلح وسواء كان بدل الصلح قليلا أو كثيرا ، من جنس الدية أو من خلاف جنسها ، حالا أو مؤجلا ، بأجل معلوم أو مجهول جهالة متفاوتة كالحصاد ، والدياس ، ونحو ذلك ، بخلاف
الصلح من الدية على أكثر مما تجب فيه الدية أنه لا يجوز ; لأن المانع من الجواز هناك تمكن الربا .
ولم يوجد ههنا ; لأن الربا يختص بمبادلة المال بالمال ، والقصاص ليس بمال ، وقد ذكرنا شرائط جواز الصلح ، ومن يملك الصلح ومن لا يملكه في كتاب الصلح ، ولو
صالح الولي القاتل على مال ثم قتله يقتص منه عند عامة العلماء رضي الله عنهم .
وقال بعض الناس لا قصاص عليه ، وقد مرت المسألة في العفو ،
ولو كان الولي اثنين ، والقصاص واحد فصالح أحدهما سقط القصاص عن القاتل ، وينقلب نصيب الآخر مالا لما ذكرنا في العفو ، ولو
قتله الآخر بعد عفو صاحبه فهو على التفصيل والخلاف
[ ص: 251 ] والوفاق الذي ذكرناه في العفو
ولو كان القصاص أكثر فصالح ولي أحد القتيلين فللآخر أن يستوفي ، وكذا
لو صالح الولي مع أحد القاتلين كان له أن يقتص للآخر لما ذكرنا في العفو ، وكذلك حكم المولى في الصلح عن دم العمد في جميع ما وصفنا ومنها
إرث القصاص بأن وجب القصاص لإنسان فمات من له القصاص ، فورث القاتل القصاص سقط القصاص لاستحالة وجوب القصاص له وعليه ، فيسقط ضرورة
، ولو قتل رجلان رجلين كل واحد منهما ابن الآخر عمدا ، وكل منهما وارث الآخر قال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله : لا قصاص عليهما ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن بن زياد رحمه الله : يوكل كل واحد منهما وكيلا يستوفي القصاص فيقتلهما الوكيلان معا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله : يقال للقاضي : ابتدئ بأيهما شئت ، وسلمه إلى الآخر حتى يقتله ، ويسقط القصاص عن الآخر .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله أن القصاص وجب على كل واحد منهما لوجود السبب من كل واحد منهما ، وهو القتل العمد ، إلا أنه لا يتمكن استيفاؤهما ; لأنه إذا استوفي أحدهما يسقط الآخر لصيرورة القصاص ميراثا للقاتل الآخر ، فكان الخيار فيه إلى القاضي يبتدئ بأيهما شاء ويسلمه إلى الآخر حتى يقتله ، ويسقط القصاص عن الآخر .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن رحمه الله أن استيفاء القصاص منهما ممكن بالوكالة بأن يقتل كل واحد من الوكيلين كل واحد من القاتلين في زمان واحد ، فلا يتوارثان ، كما في الغرقى ، والحرقى .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله أن وجوب القصاص وجوب الاستيفاء لا يعقل له معنى سواه ، ولا سبيل إلى استيفاء القصاص ; لأنه إذا استوفي أحدهما سقط الآخر ، وليس أحدهما بالاستيفاء أولى من الآخر ، فتعذر القول بالوجوب أصلا ; ولأن في استيفاء أحد القصاصين بقاء حق أحدهما ، وإسقاط حق الآخر ، وهذا لا يجوز ، والقول باستيفائهما بطريق التوكيل غير سديد ; لأن الفعلين قلما يتفقان في زمان واحد بل يسبق أحدهما الآخر عادة ، وكذا أثرهما الثابت عادة ، وهو فوات الحياة ، وفي ذلك إسقاط القصاص عن الآخر ، وقالوا في
رجل قطع يد رجل ثم قتل المقطوع يده ابن القاطع عمدا ، ثم مات المقطوع يده من القطع إن على القاطع القصاص ، وهو القتل لولي المقطوع يده ; لأنه مات بسبب سابق على وجود القتل منه ، وهو القطع السابق ; لأن ذلك القطع صار بالسراية قتلا ، فوجب القصاص على القاطع ، ولا يسقط بقتل المقطوع يده ابن القاطع ، والله سبحانه وتعالى أعلم .