( وأما ) بيان
من تجب عليه الدية فالدية تجب على القاتل ; لأن سبب الوجوب هو القتل ، وإنه وجد من القاتل ، ثم ( الدية ) الواجبة على القاتل نوعان : نوع يجب عليه في ماله ، ونوع يجب عليه كله ، وتتحمل عنه العاقلة ، بعضه بطريق التعاون إذا كان له عاقلة ، وكل دية وجبت بنفس القتل الخطأ أو شبه العمد تتحمله العاقلة ، وما لا فلا ، فلا تعقل الصلح ; لأن بدل الصلح ما وجب بالقتل بل بعقد الصلح ، ولا الإقرار ; لأنها وجبت بالإقرار بالقتل لا بالقتل ، وإقراره حجة في حقه لا في حق غيره ، فلا يصدق في حق العاقلة ، حتى لو صدقوا عقلوا ، ولا العبد بأن قتل إنسانا خطأ ; لأن الواجب بنفس القتل الدفع لا الفداء .
والفداء يجب باختيار المولى لا بنفس القتل ، ولا العمد بأن قتل الأب ابنه عمدا ; لأنها وإن وجبت بالقتل فلم تجب بالقتل الخطأ أو شبه العمد ، وهذا لأن التحمل من العاقلة في الخطأ وشبه العمد على طريق التخفيف على الخاطئ ، والعامد لا يستحق التخفيف ، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30410لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة } وقيل في معنى قوله عليه الصلاة والسلام " ولا عبدا " أن المراد منه العبد المقتول ، وهو الذي قتله مولاه ، وهو مأذون مديون ، أو المكاتب لا العبد القاتل ; لأنه لو كان كذلك لكان من حق الكلام أن يقول : لا تعقل العاقلة عن عبد ; لأن العرب تقول : عقلت عن فلان إذا كان فلان قاتلا ، وعقلت فلانا إذا كان فلان مقتولا .
كذا فرق
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي ثم الوجوب على القاتل فيما تتحمله العاقلة قول عامة المشايخ .
وقال بعضهم : كل الدية في هذا النوع تجب على الكل ابتداء ، القاتل والعاقلة جميعا والصحيح هو الأول لقوله سبحانه وتعالى {
ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } ، ومعناه فليتحرر ، وليود ، وهذا خطاب للقاتل لا للعاقلة دل أن الوجوب على القاتل ، ولما ذكرنا أن سبب الوجوب هو القتل .
وأنه وجد من القاتل لا من العاقلة فكان الوجوب عليه لا على العاقلة ، وإنما العاقلة تتحمل دية واجبة عليه ، ثم دخول القاتل مع العاقلة في التحمل مذهبنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : القاتل لا يدخل معهم بل تتحمل العاقلة الكل دون القاتل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13719أبو بكر الأصم يتحمل القاتل دون العاقلة ; لأنه لا يجوز أن يؤاخذ أحد بذنب غيره قال الله سبحانه ، وتعالى {
ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وقال جلت عظمته {
ولا تزر وازرة وزر أخرى } ولهذا لم تتحمل العاقلة ضمان الأموال ، ولا ما دون نصف عشر الدية ، كذا هذا .
( ولنا ) أنه عليه الصلاة والسلام {
قضى بالغرة على عاقلة الضاربة } ، وكذا قضى سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بالدية على العاقلة بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير .
وأما الآية الشريفة فنقول بموجبها لكن لم قلتم أن الحمل على العاقلة أخذ بغير ذنب ؟ ، فإن حفظ القاتل واجب على عاقلته ، فإذا لم يحفظوا فقد فرطوا ، والتفريط منهم ذنب ، ولأن القاتل إنما يقتل بظهر عشيرته فكانوا كالمشاركين له في القتل ، ولأن الدية مال كثير فإلزام الكل القاتل إجحاف به فيشاركه العاقلة في التحمل تخفيفا ، وهو مستحق التخفيف ; لأنه خاطئ ، وبهذا فارق ضمان المال ; لأن ضمان المال لا يكثر عادة فلا تقع الحاجة إلى التخفيف ، وما دون نصف عشر الدية حكمه حكم ضمان الأموال .
( وأما ) الكلام مع
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله فوجه قوله أنه عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26660قضى بالدية على العاقلة } فلا يدخل فيه القاتل ، وإنا نقول نعم ، لكن معلولا بالنصرة والحفظ ، وذلك على القاتل أوجب فكان أولى بالتحمل .