فأما إذا كان
القاتل حرا والمقتول عبدا فالعبد المقتول لا يخلو إما أن كان عبد أجنبي ( وإما ) أن كان عبدا لقاتل ، فإن كان عبد أجنبي فيتعلق بهذا القتل حكمان : أحدهما : وجوب القيمة ، والكلام في القيمة في مواضع : في بيان مقدار الواجب منها ، وفي بيان من تجب عليه ، وفي بيان من يتحمله ، وفي بيان كيفية الوجوب .
أما الأول : فالعبد لا يخلو إما إن كان قليل القيمة .
( وإما ) إن كان كثير القيمة ، فإن كان قليل القيمة بأن كان قيمته أقل من عشرة آلاف درهم يجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع ، وإن كانت قيمته عشرة آلاف أو أكثر اختلف فيه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله : يجب عشرة آلاف إلا عشرة .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه يجب قيمته بالغة ما بلغت ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله .
والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مثل مذهبنا .
وروي عن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان وسيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله تعالى عنهما مثل مذهبه ، والحاصل أن العبد آدمي ومال ; لوجود معنى الآدمية والمالية فيه ، وكل واحد منهما معتبر مضمون بالمثل والقيمة حالة الانفراد ، وبالقتل فوت المعنيين جميعا ، ولا وجه إلى إيجاب الضمان بمقابلة كل واحدة منهما على الانفراد فلا بد من إيجابه بمقابلة أحدهما وإهدار الآخر ، فيقع الكلام في الترجيح ، فادعى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله الترجيح من وجهين : أحدهما : أن الواجب مال ، ومقابلة المال بالمال أولى من مقابلة المال بالآدمي ; لأن الأصل في ضمان العدوان الوارد على حق العبد أن يكون مقيدا بالمثل ، ولا مماثلة بين المال والآدمي ، فكان إيجابه بمقابلة المال موافقا للأصل ، فكان أولى .
والثاني : أن الضمان وجب حقا للعبد ، وحقوق العباد تجب بطريق الجبر .
وفي إيجاب الضمان بمقابلة المالية جبر حق المفوت عليه من كل وجه .
( ولنا ) النص ودلالة الإجماع والمعقول ، أما النص فقوله تبارك وتعالى {
ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } وهذا مؤمن قتل خطأ فتجب الدية ، والدية ضمان الدم ، وضمان الدم لا يزاد على عشرة آلاف بالإجماع .
( وأما ) دلالة الإجماع فهو أنا أجمعنا على أنه لو أقر على نفسه بالقصاص يصح وإن كذبه المولى ، لولا أن الترجيح لمعنى الآدمية لما صح ; لأنه يكون إقراره إهدارا لمال المولى قصدا من غير رضاه ، وإنه لا يملك ذلك .
( وأما ) المعقول فمن وجهين : أحدهما : أن الآدمية فيه أصل ، والمالية عارض ، وتبع ، والعارض لا يعارض والتبع لا يعارض الأصل ، والتبع لا يعارض الأصل المتبوع ، ودليل أصالة الآدمية من وجوه : أحدها : أنه كان خلق خلقا آدميا ثم ثبت فيه وصف المالية بعارض الرق ، والثاني : أن قيام المالية فيه بالآدمية وجودا وبقاء لا على القلب ، والثالث : أن المال خلق وقاية للنفس ، والنفس ما خلقت وقاية للمال ، فكانت الآدمية فيه أصلا وجودا
[ ص: 258 ] وبقاء وعرضا ، والثاني : أن حرمة الآدمي فوق حرمة المال ; لأن حرمة المال لغيره ، وحرمة الآدمي لعينه ، فكان اعتبار النفسية ، وإهدار المالية أولى من القلب ، إلا أنه نقصت ديته عن دية الحر لكون الكفر منقصا في الجملة ، وإظهارا لشرف الحرية ، وتقدير النقصان بالعشرة ثبت توفيقا قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه : ينقص من دية الحر عشرة دراهم فالظاهر أنه قال ذلك سماعا منه عليه الصلاة والسلام ; لأنه من باب المقادير ، أو لأن هذا أدنى مال له في خطر الشرع كما في نصاب السرقة والمهر في النكاح قوله : " المال ليس بمثل للآدمي " قلنا : نعم ، لكن لشرف الآدمي وجه المال لم يجعل مثلا له عند إمكان إيجاب ما هو مثل له من كل وجه ، وهو النفس ، فأما عند تعذر اعتباره من كل وجه فاعتبار المثل من وجه أولى من الإهدار ، وقوله : " الجبر في المال أبلغ " قلنا : بلى ، لكن فيه إهدار الآدمي ، ومقابلة الجابر بالآدمي الفائت أولى من المقابلة بالمال الهالك ، وإن كان الجبر ثمة أكثر لكن فيه اعتبار جانب المولى فيكون لغيره ، وفيما قلنا الجبر أقل لكن فيه اعتبار جانب نفس الآدمي ، وهو العبد ، وحرمة الآدمي لعينه ، فكان ما قلناه أولى .
ولو كان
المقتول أمة فإن كانت قليلة القيمة بأن كانت قيمتها أقل من خمسة آلاف فهي مضمونة بقدر قيمتها بالغة ما بلغت ، وإن كانت كثيرة القيمة بأن كانت قيمتها خمسة آلاف أو أكثر يجب خمسة آلاف إلا عشرة عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله ، وعلى رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله له ، فهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : تبلغ بالغة ما بلغت .
والكلام في الأمة كالكلام في العبد ، وإنما ينقص منها عشرة كما نقصت من دية العبد ، وإن اختلفا في قدر البدل ; لأن هذه دية البدل ; لأن هذه دية كاملة في الأمة فينقص في العبد ، بخلاف ما إذا قطع يد عبد تزيد نصف قيمته على خمسة آلاف أنه تجب خمسة آلاف إلا خمسة ; لأن الواجب هناك ليس بدية كاملة ، بل هو بعض الدية ; لأن اليد منه نصف ، فيجب نصف ما يجب في الكل ، والواجب في الأنثى ليس بعض دية الذكر بل هو دية كاملة في نفسها ، لكنها دية الأنثى .
( وأما ) بيان من يجب عليه ومن يتحملها فإنها تجب على القاتل لوجود سبب الوجوب منه ، وهو القتل ، وتتحملها العاقلة في قولهما ، وعلى رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تجب في مال القاتل ، وهذا بناء على الأصل الذي ذكرنا : أن عندهما ضمان العبد بمقابلة النفس ، وضمان النفس تتحمله العاقلة .
وكدية الحر ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بمقابلة المالية ، وضمان المال لا تتحمله العاقلة بل يكون في مال المتلف كضمان سائر الأموال .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في كثير القيمة أن يقدر عشرة آلاف تعقله العاقلة ; لأن ذلك القدر يجب بمقابلة النفسية ، وما زاد عليها لا تعقله ; لأنه يجب بمقابلة المالية .
( وأما ) كيفية وجوب القيمة على العاقلة عندنا ، وقدر ما يتحمل كل واحد منهم فما ذكرنا في دية الحر من غير تفاوت ، والله تعالى أعلم .