فإن قاد قطارا فما
أصاب الأول أو الآخر أو الأوسط إنسانا بيد أو رجل أو صدم إنسانا فقتله - فهو ضامن لذلك ; لأنه فعل فعلا هو سبب حصول التلف فيضمن ، وهو مما يمكن الاحتراز عنه ، كما إذا وضع حجرا في الطريق أو حفر فيه بئرا ، فإن كان معه سائق في آخر القطار - فالضمان عليهما ; لأن كل واحد منهما سبب التلف ، وإن كان السائق في وسط القطار فما أصاب مما خلف هذا السائق وما بين يديه شيئا - فهو عليهما ; لأن ما بين يديه هو له سائق ، والأول له قائد ، وما خلفه هما له قائدان ( أما ) قائد القطار فلا شك فيه ; لأن بعضه مربوط ببعض .
( وأما ) السائق الذي في وسط القطار فلأنه بسوقه ما بين يديه قائد لما خلفه لأن ما خلفه ينقاد بسوقه ، فكان قائدا له ، والقود والسوق كل واحد منهما سبب لوجوب الضمان لما بينا ، وإن كان أحيانا في وسط القطار ، وأحيانا يتأخر ، وأحيانا يتقدم ، وهو يسوقها في ذلك - فهو والأول سواء ; لأنه سائق وقائد والسوق والقود كل واحد منهما سبب لوجوب الضمان ، وإن كانوا ثلاثة أحدهم في مقدمة القطار ، والآخر في مؤخرة القطار ، وآخر في وسطه ، فإن كان الذي في الوسط والمؤخر لا يسوقان ، ولكن المقدم يقود فما أصاب الذي قدام الوسط شيئا فذلك كله على القائد ; لأن التلف حصل بسبب القود ، وما أصاب الذي خلفه - فذلك على القائد الأول وعلى الذي في الوسط ; لأنهما قائدان لما بينا وعلى المؤخر أيضا إن كان يسوق هو ، وإن كان لا يسوق لا شيء عليه ; لأنه لم يوجد منه صنع ، وإن كانوا جميعا يسوقون فما تلف بذلك فضمانه عليهم جميعا لوجود التسبيب منهم جميعا ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد - رحمه الله - في الكيسانيات لو أن رجلا يقود قطارا ، وآخر من خلف القطار يسوقه يزجر الإبل فينزجرن بسوقه ، وعلى الإبل قوم في المحامل نيام ، فوطئ بعير منها إنسانا فقتله فالدية على عاقلة القائد والسائق والراكب على البعير الذي وطئ ، وعلى الراكبين على الذين قدام البعير الذي وطئ على عواقلهم جميعا على عدد الرءوس ، والكفارة على راكب البعير الذي وطئ خاصة ، أما السائق والقائد فلأنهما مقربان القطار إلى الجناية ، فكانا مسببين للتلف .
( وأما ) الراكب للبعير الذي وطئ فلا شك فيه ; لأن التلف حصل بفعله
[ ص: 281 ] وأما ) الراكبون أمام البعير الذي وطئ فلأنهم قادة لجميع ما خلفهم ، فكانوا قائدين للبعير الواطئ ضرورة ، فكانوا مسببين للتلف أيضا فاشتركوا في سبب وجوب الضمان فانقسم الضمان عليهم .
وإنما كانت الكفارة على راكب البعير الذي وطئ خاصة ; لأنه قاتل بالمباشرة لحصول التلف بثقله وثقل الدابة إلا أن الدابة آلة له ، فكان الأثر الحاصل بفعله مضافا إليه ، فكان قاتلا بالمباشرة ، ومن كان من الركبان خلف البعير الذي وطئ لا يزجر الإبل ، ولا يسوقها راكبا على بعير منها أو غير راكب - فلا ضمان على أحد منهم ; لأنه لم يوجد منهم سبب وجوب الضمان ; إذ لم يسرقوا البعير الذي وطئ ، ولم يقودوه فصاروا كالمتاع على الإبل ، ولو قاد قطارا ، وعلى بعير في وسط القطار راكب لا يسوق منه شيئا - فضمان ما كان بين يديه على القائد خاصة ، وضمان ما خلفه عليهما جميعا ; لأن الراكب غير سائق لما بين يديه ; لأن ركوبه لهذا البعير لا يكون سوقا لما بين يديه كما أن مشيه إلى جانب البعير لا يكون سوقا إياه إذا لم يسقه ، ولكنه سائق لما ركبه ; لأن البعير إنما يسير بركوب الراكب وحثه ، وإذا كان سائقا له كان قائدا لما خلفه ، فكان ضمانه عليهما .
وإذا كان الرجل يقود قطارا ، فجاء رجل ، وربط إليه بعيرا فوطئ البعير إنسانا - فالقائد لا يخلو : إما إن كان لا يعلم بربطه ، وإما إن علم ذلك ، فإن لم يعلم فالدية على القائد تتحمل عنه عاقلته ثم عاقلته يرجعون على عاقلة الرابط ( أما ) وجوب الدية على القائد فلأنه قاتل تسبيبا ، وضمان القتل ضمان إتلاف وإنه لا يختلف بالعلم والجهل ( وأما ) رجوع عاقلة القائد على عاقلة الرابط فلأن الرابط متعد في الربط ، وهو السبب في لزوم الضمان للقائد ، فكان الرجوع عليه ، وكذلك لو كانت الإبل وقوفا لا تقاد ، فجاء رجل وربط إليها بعيرا ، والقائد لا يعلم فقاد البعير معها فوطئ البعير إنسانا فقتله فالدية على القائد يتحمل عنه عاقلته إلا أن ههنا لا ترجع عاقلة القائد على عاقلة الرابط ; لأن الرابط ، وإن تعدى في الربط ، وأنه سبب لوجوب الضمان لكن القائد لما قاد البعير عن ذلك المكان فقد أزال تعديه فيزول الضمان عنه ، ويتعلق بالقائد كمن وضع حجرا في الطريق ، فجاء إنسان فدحرجه عن ذلك المكان ثم عطب به إنسان - فالضمان على الثاني لا على الأول لما قلنا كذا هذا ، بخلاف المسألة الأولى ; لأن هناك وجد الربط والإبل سائرة ، فلم يستقر مكان التعدي ; ليزول بالانتقال عنه فبقي التعدي ببقاء الربط ، وإن كان القائد علم بالربط في المسألتين جميعا فقاده على ذلك فوطئ البعير إنسانا فقتله فالدية على القائد تتحمل عنه عاقلته ولا ترجع عاقلته على عاقلة الرابط ; لأنه لما قاد مع علمه بالربط فقد رضي بما لحقه من العهدة في ذلك فصار علمه بالربط بمنزلة أمره بالربط ، ولو ربط بأمره كان الأمر على ما وصفنا كذا هذا .
ولو
سقط سرج دابة فعطب به إنسان فالدية على السائق أو القائد ; لأن السقوط لا يكون إلا بتقصير منه في شد الحزام ، فكان مسببا للقتل متعديا في التسبيب والله - سبحانه وتعالى - أعلم .