( فصل ) :
وأما شرائط وجوب القسامة والدية فأنواع : منها
أن يكون الموجود قتيلا وهو أن يكون به أثر القتل من جراحة أو أثر ضرب أو خنق ، فإن لم يكن شيء من ذلك فلا قسامة فيه ، ولا دية ; لأنه إذا لم يكن به أثر القتل فالظاهر أنه مات حتف أنفه ، فلا يجب فيه شيء ، فإذا احتمل أنه مات حتف أنفه واحتمل أنه قتل احتمالا على السواء فلا يجب شيء بالشك والاحتمال ; ولهذا لو وجد في المعركة ، ولم يكن به أثر القتل لم يكن شهيدا حتى يغسل ، وعلى هذا قالوا : إذا وجد والدم يخرج من فمه أو من أنفه أو من دبره أو ذكره لا شيء فيه ; لأن الدم يخرج من هذه المواضع عادة بدون الضرب بسبب القيء والرعاف وعارض آخر فلا يعرف كونه قتيلا ، وإن كان يخرج من عينه أو أذنه ففيه القسامة والدية ; لأن الدم
[ ص: 288 ] لا يخرج من هذه المواضع عادة فكان الخروج مضافا إلى ضرب حادث ، فكان قتيلا ; ولهذا لو وجد هكذا في المعركة كان شهيدا ، وفي الأول لا يكون شهيدا ، ولو مر في محلة فأصابه سيف أو خنجر فجرحه ولا يدري من أي موضع أصابه فحمل إلى أهله فمات من تلك الجراحة ، فإن كان لم يزل صاحب فراش حتى مات - فعلى عاقلة القبيلة القسامة والدية ، وإن لم يكن صاحب فراش فلا قسامة ، ولا دية وهذا قولهما .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف - رحمه الله - : لا قسامة فيه ولا ضمان في الوجهين جميعا ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى - رحمه الله - وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف : أن المجروح إذا لم يمت في المحلة كان الحاصل في المحلة ما دون النفس ولا قسامة فيما دون النفس كما لو وجد مقطوع اليد في المحلة ; ولهذا لو لم يكن صاحب الفراش فلا شيء فيه كذا هذا .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - أنه إذا لم يبرأ عن الجراحة .
وكان لم يزل صاحب فراش حتى مات علم أنه مات من الجراحة فعلم أن الجراحة حصلت قتلا من حين وجودها ، فكان قتيلا في ذلك الوقت كأنه مات في المحلة بخلاف ما إذا لم يكن صاحب فراش ; لأنه إذا لم يصر صاحب فراش لم يعلم أن الموت حصل من الجراحة فلم يوجد قتيلا في المحلة فلا يثبت حكمه ، وعلى هذا يخرج ما إذا وجد من القتيل أكثر بدنه أن فيه القسامة والدية ; لأنه يسمى قتيلا ; لأن للأكثر حكم الكل ، ولو وجد عضو من أعضائه كاليد والرجل أو وجد أقل من نصف البدن فلا قسامة فيه ولا دية ; لأن الأقل من النصف لا يسمى قتيلا ولأنا لو أوجبنا في هذا القدر القسامة لأوجبنا في الباقي قسامة أخرى فيؤدي إلى اجتماع قسامتين في نفس واحدة وهذا لا يجوز ، وإن وجد النصف ، فإن كان النصف الذي فيه الرأس - ففيه القسامة والدية ، وإن كان النصف الآخر فلا قسامة فيه ولا دية ; لأن الرأس إذا كان معه يسمى قتيلا وإذا لم يكن لا يسمى قتيلا ; لأن الرأس أصل ولأنا لو أوجبنا في النصف الذي لا رأس فيه للزمنا الإيجاب في النصف الذي معه الرأس فيؤدي إلى ما قلنا ، وإن وجد الرأس وحده فلا قسامة ولا دية ; لأن الرأس وحده لا يسمى قتيلا ، وإن وجد النصف مشقوقا فلا شيء فيه ; لأن النصف المشقوق لا يسمى قتيلا ، ولأن في اعتباره إيجاب القسامتين على ما بينا ، ونظير هذا ما قلنا في صلاة الجنازة : إذا وجد أكثر البدن أو أقله أو نصفه على التفصيل الذي ذكرنا ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .