( وأما )
إجازته في مرض موته - فإنما اعتبرت من ثلثه لا لكون الإجازة منه تمليكا ، وإيجابا للملك ; لأن الإجازة لا تنبئ عن التمليك بل هي إزالة المانع عن وقوع التصرف تمليكا بإسقاط الحق عن مال التصرف ، وهو متبرع في هذا الإسقاط فيعتبر تبرعه من الثلث كما يعتبر تبرعه بالتمليك بالهبة من الثلث فإن
أجاز بعض الورثة ، ورد بعضهم جازت الوصية بقدر حصة المجيز منهم ، وبطلت بقدر أنصباء الرادين ; لأن لكل واحد منهم ولاية الإجازة والرد في قدر حصته فتصرف كل واحد منهم في نصيبه صدر عن ولاية شرعية فينفذ ، ثم إنما تعتبر إجازة من أجاز إذا كان المجيز من أهل الإجازة بأن كان بالغا عاقلا .
فإن كان مجنونا أو صبيا لا يعقل لا تعتبر إجازته ، فإن كان عاقلا بالغا لكنه مريض مرض الموت - جازت إجازته ، ثم إن كان الوارث واحدا كانت إجازته بمنزلة ابتداء الوصية حتى لو كان الموصى له وارثه لا تجوز إجازته إلا أن تجيزها ورثة المريض بعد موته ، وإن كان أجنبيا تجوز إجازته ، وتعتبر من الثلث ، ثم وقت الإجازة هو ما بعد موت الموصي ، ولا تعتبر الإجازة حال حياته حتى إنهم لو أجازوا في حياته لهم أن يرجعوا عن ذلك بعد موته ، وهذا قول عامة العلماء رضي الله عنهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى - رحمه الله - : تجوز إجازتهم بعد موته ، وحال حياته ، وإذا أجازوا في حياته فليس لهم أن يرجعوا بعد موته ، ولا خلاف في أنهم إذا أجازوا بعد موته ليس لهم أن
[ ص: 371 ] يرجعوا بعد ذلك .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى : أن إجازتهم في حال الحياة صادفت محلها ; لأن حقهم يتعلق بماله في مرض موته إلا أنه لا يظهر كون هذا المرض مرض الموت إلا بالموت ، فإذا اتصل به الموت تبين أنه كان مرض الموت ، فتبين أن حقهم كان متعلقا بماله فتبين أنهم أسقطوا حقهم بالإجازة فجازت إجازتهم .
( ولنا ) أن حقهم إنما يثبت عند الموت ; لأنه إنما يعلم بكون المرض مرض الموت عند الموت ، فإذا مات الآن علم كونه مرض الموت فيثبت حقهم الآن إلا أنه إذا ثبت حقهم عند الموت استند الحق الثابت إلى أول المرض ، والاستناد إنما يظهر في القائم لا في الماضي ، وإجازتهم قد مضت لغوا ضائعا ; لانعدام الحق حال وجودها فلا تلحقها الإجازة ، والدليل على أن حق الورثة لا يثبت في حال المرض بطريق الظهور المحض : أن المريض يحل له أن يطأ جاريته ، ولو ثبت الملك عند الموت بطريق الظهور المحض لتبين أنه وطئ ملك غيره فتبين أنه كان حراما ، وليس كذلك بالإجماع على أن في إثبات الحق في المرض على طريق الظهور المحض إبطال الحقيقة عند الموت فلا يجوز اعتبار الحق للحال ; لإبطال الحقيقة عند الموت ، فكان اعتباره من طريق الاستناد فيظهر في القائم لا في الماضي .