( وأما ) .
الرجوع الثابت من طريق الضرورة فنوعان : أحدهما أن يتصل بالعين الموصى به زيادة لا يمكن تسليم العين بدونها ، كما إذا أوصى بسويق ثم لته بالسمن ; لأن الموصى به اتصل بما ليس بموصى به بحيث لا يمكن تسليمه بدونه لتعذر التمييز بينهما ، فثبت الرجوع ضرورة .
وكذا إذا وصى بدار ثم بنى فيها أو أوصى بقطن ثم حشاه جبة فيه أو أوصى ببطانة ، ثم بطن بها أو بظهارة ، ثم ظهر بها ; لأنه لا يمكن تسليم الموصى به إلا بتسليم ما اتصل به ، ولا يمكن تسليمه إلا بالنقض ، ولا سبيل إلى التكليف بالنقض ; لأنه تصرف في ملك نفسه ، فجعل رجوعا من طريق الضرورة ، ويمكن إثبات الرجوع في هذه المسائل من طريق الدلالة أيضا ; لأن اتصال الموصى به بغيره حصل بصنع الموصي ، فكان تعدد التسليم مضافا إلى فعله ، وكان رجوعا منه دلالة .
والثاني : أن يتغير الموصى به بحيث يزول معناه ، واسمه سواء كان التغيير إلى الزيادة أو إلى النقصان ، كما إذا أوصى لإنسان بثمر هذا النخل ثم لم يمت الموصي حتى صار بسرا أو أوصى له بهذا البسر ثم صار رطبا أو أوصى بهذا العنب ، فصار زبيبا ، أو بهذا السنبل ، فصار حنطة ، أو بهذا القصيل ، فصار شعيرا أو بالحنطة المبذورة في
[ ص: 385 ] الأرض ، فنبتت وصارت بقلا أو بالبيضة ، فصارت فرخا أو نحو ذلك ثم مات الموصي بطلت الوصية فيما أوصى به ، فيثبت الرجوع ضرورة هذا إذا تغير الموصى به قبل موت الموصي ; لأنه صار شيئا آخر لزوال معناه ، واسمه ، فتعذر تنفيذ الوصية فيما أوصى به .
وأما إذا تغير بعد موته ، فحكمه يذكر في بيان ما تبطل به - إن شاء الله - تعالى ، ولو أوصى برطب هذا النخل ، فصار بسرا فالقياس أن تبطل الوصية لتغير الموصى به ، وهو الرطب من الرطوبة إلى اليبوسة .
وزوال اسمه ، وفي الاستحسان لا تبطل ; لأن معنى الذات لم يتغير من كل وجه بل بقي من وجه .
ألا يرى أن غاصبا لو غصب رطب إنسان ، فصار تمرا في يده لا ينقطع حق المالك بل يكون له الخيار إن شاء أخذه تمرا ، وإن شاء ضمنه رطبا مثل رطبه .