وقياس ما ذكرنا أنه لا يجوز
الوضوء بنبيذ التمر لتغير طعم الماء ، وصيرورته مغلوبا بطعم التمر ، فكان في معنى الماء المقيد ، وبالقياس أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف وقال لا يجوز التوضؤ به ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة ترك القياس بالنص ، وهو حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فجوز التوضؤ به .
وذكر في الجامع الصغير أن
المسافر إذا لم يجد الماء ووجد نبيذ التمر توضأ به ، ولم يتيمم ، وذكر في كتاب الصلاة يتوضأ به ، وإن تيمم معه أحب إلي وروى
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه يجمع بينهما لا محالة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد .
وروى
نوح في الجامع
المروزي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه رجع عن ذلك وقال : لا يتوضأ به ، ولكنه يتيمم ، وهو الذي استقر عليه قوله ، كذا قال
نوح وبه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16867، ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790، والشافعي ، واحتج هؤلاء بقوله تعالى {
فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } نقل الحكم من الماء المطلق إلى التراب فمن نقله إلى النبيذ ، ثم من
[ ص: 16 ] النبيذ إلى التراب فقد خالف الكتاب ، وهؤلاء طعنوا في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود من وجوه : ( أحدها ) : أنهم قالوا : رواه
أبو فزارة عن
أبي زيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وأبو فزارة هذا كان نباذا
بالكوفة ، وأبو زيد مجهول ( ومنها ) : أنه قيل
nindex.php?page=showalam&ids=10لعبد الله بن مسعود : هل كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ فقال : ليتني كنت .
وسئل تلميذه
علقمة هل كان صاحبكم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ فقال : وددنا أنه كان ( ومنها ) : أنه من أخبار الآحاد ورد على مخالفة الكتاب ، ومن شرط ثبوت خبر الواحد أن لا يخالف الكتاب ، فإذا خالف لم يثبت أو ثبت لكنه نسخ به ، لأن ليلة الجن كانت
بمكة ، وهذه الآية نزلت
بالمدينة .
وجه رواية
الحسن ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أنه قام ههنا دليلان أحدهما : أنه يقتضي وجوب الوضوء بنبيذ التمر ، وهو حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه ، والآخر يقتضي وجوب التيمم ، وهو قوله تعالى {
فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } ، والعمل بالدليلين واجب إذا أمكن العمل بهما .
وههنا أمكن ، إذ لا تنافي بين وجوب الوضوء ، والتيمم فيجمع بينهما كما في سؤر الحمار
nindex.php?page=showalam&ids=11990، ولأبي حنيفة ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21506كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا في بيت ، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ليقم منكم من ليس في قلبه مثقال ذرة من كبر فقمت ، وفي رواية فلم يقم منا أحد ، فأشار إلي بالقيام فقمت ، ودخلت البيت ، فتزودت بإداوة من نبيذ فخرجت معه فخط لي خطا وقال : إن خرجت من هذا لم ترني إلى يوم القيامة ، فقمت قائما ، حتى انفجر الصبح فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرق جبينه ، كأنه حارب جنا ، فقال لي : يا nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود هل معك ماء أتوضأ به ؟ فقلت لا إلا نبيذ تمر في إداوة فقال ثمرة طيبة ، وماء طهور فأخذ ذلك ، وتوضأ به ، وصلى الفجر } .
وكذا جماعة من الصحابة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=10، وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11، وابن عباس رضي الله عنهم كانوا يجوزون التوضؤ بنبيذ التمر .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
نبيذ التمر وضوء من لم يجد الماء } .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17038توضئوا بنبيذ التمر ، ولا تتوضئوا باللبن } .
وروي عن
أبي العالية الرياحي أنه قال : كنت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة في البحر فحضرت الصلاة ففني ماؤهم ، ومعهم نبيذ التمر فتوضأ بعضهم بنبيذ التمر ، وكره التوضؤ بماء البحر ، وتوضأ بعضهم بماء البحر ، وكره التوضؤ بنبيذ التمر وهذا حكاية الإجماع فإن من كان يتوضأ بماء البحر كان يعتقد جواز التوضؤ بماء البحر فلم يتوضأ بنبيذ التمر لكونه واجدا للماء المطلق ، ومن كان يتوضأ بالنبيذ كان لا يرى ماء البحر طهورا ، أو كان يقول هو ماء سخطة ، ونقمة ، كأنه لم يبلغه قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39005صلى الله عليه وسلم في صفة البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته } .
فتوضأ بنبيذ التمر لكونه عادما للماء الطاهر ، وبه تبين أن الحديث ورد مورد الشهرة ، والاستفاضة حيث عمل به الصحابة رضي الله عنهم ، وتلقوه بالقبول فصار موجبا علما استدلاليا كخبر المعراج ، والقدر خيره ، وشره من الله ، وأخبار الرؤية ، والشفاعة ، وغير ذلك مما كان الراوي في الأصل واحدا ، ثم اشتهر ، وتلقته العلماء بالقبول ، ومثله مما ينسخ به الكتاب مع أنه لا حجة لهم في الكتاب ; لأن عدم نبيذ التمر في الأسفار يسبق عدم الماء عادة ; لأنه أعسر وجودا ، وأعز إصابة من الماء فكان تعليق جواز التيمم بعدم الماء تعليقا بعدم النبيذ دلالة ، فكأنه قال : " فلم تجدوا ماء ولا نبيذ تمر فتيمموا " إلا أنه لم ينص عليه لثبوته عادة .
يؤيد هذا ما ذكرنا من فتاوى نجباء الصحابة رضي الله عنهم في زمان انسد فيه باب الوحي مع أنهم كانوا أعرف الناس بالناسخ ، والمنسوخ ، فبطل دعوى النسخ ، وما ذكروا من الطعن في الراوي ، أما
أبو فزارة فقد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في الصحيح ، فلا مطعن لأحد فيه ، وأما
أبو زيد فقد قال
صاعد ، وهو من زهاد التابعين : وأما
أبو زيد فهو مولى
nindex.php?page=showalam&ids=146عمرو بن حريث فكان معروفا في نفسه ، وبمولاه فالجهل بعدالته لا يقدح في روايته على أنه قد روي هذا الحديث من طرق أخر غير هذا الطريق لا يتطرق إليها طعن .
وقولهم : إن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن دعوى باطلة لما روينا أنه تركه في الخط ، وكذا روي كونه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر آخر أجمع الفقهاء على العمل به ، وهو أنه طلب منه أحجارا للاستنجاء فأتاه بحجرين وروثة ، فألقى الروثة ، وقال : إنها
[ ص: 17 ] رجس أو ركس والدليل عليه أنه روي أنه لما رأى أقواما من
الزط بالعراق قال : ما أشبه هؤلاء بالجن ليلة الجن .
وفي رواية أنه مر بقوم يلعبون
بالكوفة فقال : ما رأيت أحدا أشبه بهؤلاء من الجن الذين رأيتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ، وما روي أنه قال : ليتني كنت معه ، وأن
علقمة قال : وددنا أن يكون معه فمحمول على الحال التي خاطب فيها الجن أي ليتني كنت معه وقت خطابه الجن ، ووددنا أن يكون معه وقت ما خاطب الجن .