ثم لا بد من معرفة
حد الغنى فنقول الغنى أنواع
[ ص: 48 ] ثلاثة : غنى تجب به الزكاة ، وغنى يحرم به أخذ الصدقة وقبولها ولا تجب به الزكاة ، وغنى يحرم به السؤال ولا يحرم به الأخذ أما
الغنى الذي تجب به الزكاة فهو أن يملك نصابا من المال النامي الفاضل عن الحاجة الأصلية .
وأما
الغنى الذي يحرم به أخذ الصدقة وقبولها فهو الذي تجب به صدقة الفطر والأضحية وهو أن يملك من الأموال التي لا تجب فيها الزكاة ما يفضل عن حاجته وتبلغ قيمة الفاضل مائتي درهم من الثياب والفرش والدور والحوانيت والدواب والخدم زيادة على ما يحتاج إليه كل ذلك للابتذال والاستعمال لا للتجارة والإسامة ، فإذا فضل من ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم وجب عليه صدقة الفطر والأضحية وحرم عليه أخذ الصدقة ، ثم قدر الحاجة ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي في مختصره فقال لا بأس بأن يعطى من الزكاة من له مسكن وما يتأثث به في منزله وخادم وفرس وسلاح وثياب البدن وكتب العلم إن كان من أهله فإن كان له فضل عن ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم حرم عليه أخذ الصدقة لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه قال كانوا يعطون الزكاة لمن يملك عشرة آلاف درهم من الفرس والسلاح والخدم والدار .
وقوله : كانوا ، كناية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ; لأن هذه الأشياء من الحوائج اللازمة التي لا بد للإنسان منها فكان وجودها وعدمها سواء .
وذكر في الفتاوى فيمن له حوانيت ودور الغلة لكن غلتها لا تكفيه ولعياله أنه فقير ويحل له أخذ الصدقة عند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا يحل وعلى هذا إذا كان له أرض وكرم لكن غلته لا تكفيه ولعياله ، ولو كان عنده طعام للقوت يساوي مائتي درهم فإن كان كفاية شهر تحل له الصدقة وإن كان كفاية سنة ، قال بعضهم : لا تحل ، وقال بعضهم : تحل ; لأن ذلك مستحق الصرف إلى الكفاية والمستحق ملحق بالعدم .
وقد روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5496أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخر لنسائه قوت سنة } .
ولو كان له كسوة شتاء وهو لا يحتاج إليها في الصيف يحل له أخذ الصدقة ذكر هذه الجملة في الفتاوى ، وهذا قول أصحابنا وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : من ملك خمسين درهما لا يحل له أخذ الصدقة ولا يباح أن يعطى ، واحتج بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أنهم قالوا : لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب وهذا نص في الباب .
ولنا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ حيث قال له النبي : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18275خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم } قسم الناس قسمين : الأغنياء ، والفقراء فجعل الأغنياء يؤخذ منهم والفقراء يرد فيهم فكل من لم تؤخذ منه يكون مردودا فيه ، وما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك محمول على حرمة السؤال معناه لا يحل سؤال الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضهما من الذهب أو يحمل ذلك على كراهة الأخذ ; لأن من له سداد من العيش فالتعفف أولى ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35780من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله } وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يجوز
دفع الزكاة إلى رجل له مال كثير ولا كسب له وهو يخاف الحاجة ويجوز له الأخذ وهذا فاسد ; لأن هذا دفع الزكاة إلى الغني ولا سبيل إليه لما بينا وخوف حدوث الحاجة في الثاني لا يجعله فقيرا في الحال ألا تر أنه لا يعتبر ذلك في سقوط الوجوب حتى تجب عليه الزكاة فكذا في جواز الأخذ ولو
كان الفقير قويا مكتسبا يحل له أخذ الصدقة عندنا وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا يحل واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30094 : لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي } وفي بعض الروايات {
nindex.php?page=hadith&LINKID=77246ولا لقوي مكتسب } ، ولنا ما روي عن
سلمان الفارسي أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18187 : حمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة فقال لأصحابه : كلوا ولم يأكل } ومعلوم أنه لا يتوهم أن أصحابه رضي الله عنهم كانوا كلهم زمنى بل كان بعضهم قويا مكتسبا وما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي محمول على حرمة الطلب والسؤال فإن ذلك للزجر عن المسألة والحمل على الكسب ، والدليل عليه ما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3739أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : للرجلين اللذين سألاه إن شئتما أعطيتكما منه ولا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب } ولو كان حراما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليعطيهما الحرام ، ولكن قال ذلك للزجر عن السؤال والحمل على الكسب كذا هذا .