بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وعلى هذا الأصل ينبني بيان ما يفسد الصوم وينقضه لأن انتقاض الشيء عند فوات ركنه أمر ضروري ، وذلك بالأكل ، والشرب ، والجماع سواء كان صورة ومعنى ، أو صورة لا معنى ، أو معنى لا صورة وسواء كان بغير عذر ، أو بعذر وسواء كان عمدا ، أو خطأ طوعا ، أو كرها بعد أن كان ذاكرا لصومه لا ناسيا ولا في معنى الناسي ، ، والقياس أن يفسد ، وإن كان ناسيا وهو قول مالك لوجود ضد الركن حتى قال أبو حنيفة : لولا قول الناس لقلت يقضي أي : لولا قول الناس إن أبا حنيفة خالف الأمر لقلت : يقضي لكنا تركنا القياس بالنص وهو ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإن الله عز وجل أطعمه وسقاه } حكم ببقاء صومه وعلل بانقطاع نسبة فعله عنه بإضافته إلى الله تعالى لوقوعه من غير قصده .

وروي عن أبي حنيفة أنه قال : لا قضاء على الناسي للأثر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم والقياس أن يقضي ذلك ولكن اتباع الأثر أولى إذا كان صحيحا ، وحديث صححه أبو حنيفة لا يبقى لأحد فيه مطعن .

وكذا انتقده أبو يوسف حيث قال : وليس حديثا شاذا نجترئ على رده ، وكان من صيارفة الحديث .

وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم مثل مذهبنا ولأن النسيان في باب الصوم مما يغلب وجوده ولا يمكن دفعه إلا بحرج فجعل عذرا دفعا للحرج .

وعن عطاء ، والثوري أنهما فرقا بين الأكل ، والشرب وبين الجماع ناسيا ، فقالا : يفسد صومه في الجماع ولا يفسد في الأكل ، والشرب لأن القياس يقتضي الفساد في الكل لفوات ركن الصوم في الكل ، إلا أنا تركنا القياس بالخبر ، وأنه ورد في الأكل ، والشرب فبقي الجماع على أصل القياس ، وإنا نقول : نعم الحديث ورد في الأكل ، والشرب لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل ، وهو أنه فعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيص بقوله " فإنما أطعمه الله وسقاه " قطع إضافته عن العبد لوقوعه فيه من غير قصده واختياره ، وهذا المعنى يوجد في الكل ، ، والعلة إذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه ويتعمم الحكم بمعموم العلة

وكذا معنى الحرج يوجد في الكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية