( فصل ) :
، وأما الحلق أو التقصير فالكلام فيه يقع في .
وجوبه ، وفي بيان مقدار الواجب ، وفي بيان زمانه ، ومكانه ، وفي بيان حكمه إذا وجد ، وفي بيان حكم تأخره عن وقته ، وفعله في غير مكانه .
أما الأول فالحلق أو التقصير واجب عندنا إذا كان على رأسه شعر لا يتحلل بدونه ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ليس بواجب ، ويتحلل من الحج بالرمي ، ومن العمرة بالسعي ، احتج عما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه خطب
بعرفة ، وعلمهم أمر الحج فقال لهم : إذا جئتم
منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم على الحاج إلا النساء ، والطيب حتى يطوف
بالبيت ، ولنا قوله تعالى {
ثم ليقضوا تفثهم } .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه أن التفث حلاق الشعر ، ولبس الثياب ، وما يتبع ذلك ، وهو قول أهل التأويل إنه حلق الرأس ، وقص الأظافر ، والشارب ، ولأن التفث في اللغة الوسخ يقال : امرأة تفثة إذا كانت خبيثة الرائحة وقوله تعالى {
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين } قيل في بعض وجوه التأويل : إن قوله لتدخلن خبر بصيغته ، ومعناه الأمر أي ادخلوا
المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين فيقتضي وجوب الدخول بصفة الحلق أو التقصير ; لأن مطلق الأمر لوجوب العمل ، والاستثناء على هذا التأويل يرجع إلى قوله : " آمنين " أي إن شاء الله أن تأمنوا تدخلوا ، وإن شاء لا تأمنوا لا تدخلونه ، وإن كانت الآية على الإخبار والوعد على ما يقتضيه ظاهر الصيغة فلا بد ، وأن يكون المخبر به على ما أخبر ، وهو دخولهم محلقين ومقصرين ، وذلك متعلق باختيارهم .
وقد يوجد وقد لا يوجد فلا بد من الدخول ليكون الوجوب حاملا لهم على التحصيل فيوجد المخبر به ظاهرا ، وغالبا فالاستثناء على هذا التأويل يكون على طريق التيمن والتبرك باسم الله تعالى ، أو يرجع إلى دخول بعضهم دون بعض لجواز أن يموت البعض أو يمنع بمانع فيحمل عليه لئلا يؤدي إلى الخلف في الخبر ، وقوله {
محلقين رءوسكم ، ومقصرين } أي : بعضكم محلقين ، وبعضكم مقصرين لإجماعنا على أنه لا يجمع بين الحلق ، والتقصير فدل أن الحلق أو التقصير ، واجب ، لكن الحلق أفضل ; لأنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=106234دعا للمحلقين ثلاثا ، وللمقصرين مرة واحدة فقال : اللهم اغفر للمحلقين ، فقيل له : والمقصرين ، فقال : اللهم اغفر للمحلقين ، فقيل له : والمقصرين ، فقال : اللهم اغفر للمحلقين ، والمقصرين } ، ولأن في الحلق تقصيرا وزيادة ، ولا حلق في التقصير أصلا ، فكان الحلق أفضل .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فيضمر فيه الحلق أو التقصير ، معناه فمن رمى الجمرة ، وحلق أو قصر فقد حل ، ويجب حمله على هذا ليكون موافقا للكتاب ، هذا إذا كان على رأسه شعر ، فأما إذا لم يكن : أجرى الموسى على رأسه لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال : من جاء يوم النحر ولم يكن على رأسه شعر أجرى الموسى على رأسه ،
والقدوري رواه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه إذا عجز عن تحقيق الحلق فلم يعجز عن التشبه بالحالقين .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36051من تشبه بقوم فهو منهم } ، فإن حلق رأسه بالنورة أجزأه والموسى أفضل ، أما الجواز فلحصول المقصود ، وهو إزالة الشعر .
وأما أفضلية الحلق بالموسى فلقوله تعالى {
محلقين رءوسكم } وإطلاق اسم الحلق يقع على الحلق بالموسى .
وكذا {
النبي صلى الله عليه وسلم حلق بالموسى ، وكان يختار من الأعمال أفضلها } ، وهذا إذا لم يكن محصرا ، فأما المحصر فلا حلق عليه في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد ، وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف : عليه الحلق ، وسنذكر المسألة إن شاء الله تعالى في بيان أحكام الإحصار .
ولو وجب عليه الحلق ، والتقصير فغسل رأسه بالخطمي مقام الحلق ، لا يقوم مقامه ، وعليه الدم لغسل رأسه بالخطمي في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد لا دم عليه ، ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي الخلاف ، وقال
الجصاص : لا أعرف فيه خلافا ، والصحيح أنه يلزمه الدم ; لأن الحلق أو التقصير ، واجب لما ذكرنا فلا يقع التحلل إلا بأحدهما ، ولم
[ ص: 141 ] يوجد فكان إحرامه باقيا فإذا غسل رأسه بالخطمي فقد أزال التفث في حال قيام الإحرام فيلزمه الدم ، والله أعلم .
ولا حلق على المرأة لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33862ليس على النساء حلق ، وإنما عليهن تقصير } ، وروت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15667النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تحلق رأسها } ، ولأن الحلق في النساء مثلة ، ولهذا لم تفعله واحدة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها تقصر فتأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه سئل فقيل له : كم تقصر المرأة ؟ ، فقال : مثل هذه ، وأشار إلى أنملته ، وليس على الحاج إذا حلق أن يأخذ من لحيته شيئا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا حلق ينبغي أن يأخذ من لحيته شيئا لله تعالى ، وهذا ليس بشيء ; لأن الواجب حلق الرأس بالنص الذي تلونا ، ولأن حلق اللحية من باب المثلة ; لأن الله تعالى زين الرجال باللحى ، والنساء بالذوائب على ما روي في الحديث {
إن لله تعالى ملائكة تسبيحهم سبحان من زين الرجال باللحى ، والنساء بالذوائب } ، ولأن ذلك تشبه
بالنصارى فيكره .