( فصل ) :
وأما شرائط أركانه فمنها الإسلام فإنه كما هو شرط الوجوب ، فهو شرط جواز الأداء ; لأن الحج عبادة ، والكافر ليس من أهل العبادة ، ومنها العقل فلا يجوز أداء الحج من المجنون والصبي الذي لا يعقل كما لا يجب عليهما ، فأما البلوغ والحرية فليسا من شرائط الجواز ، فيجوز حج الصبي العاقل بإذن وليه ، والعبد الكبير بإذن مولاه لكنه لا يقع عن حجة الإسلام لعدم الوجوب ، ومنها الإحرام عندنا ، والكلام في الإحرام يقع في مواضع في بيان أنه شرط ، وفي بيان ما يصير به محرما ، وفي بيان زمان الإحرام ، وفي بيان مكانه ، وفي بيان ما يحرم به ، وفي بيان حكم المحرم إذا منع عن المضي في موجب الإحرام ، وفي بيان ما يحظره الإحرام ، وما لا يحظره ، وفي بيان ما يجب بفعل المحظور منه .
أما الأول
فالإحرام شرط جواز أداء أفعال الحج عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ركن ، وعنى به أنه جزء من أفعال الحج ، وهو على الاختلاف في تحريمه الصلاة ، ويتضمن الكلام في هذا الفصل بيان زمان الإحرام أنه جميع السنة عندنا ، وعنده أشهر الحج حتى يجوز الإحرام قبل أشهر الحج عندنا ، لكنه يكره ، وعنده لا يجوز رأسا ، وينعقد إحرامه للعمرة لا للحجة عنده ، وعندنا ينعقد للحجة ، ووجه البناء على هذا الأصل : أن الإحرام لما كان شرطا لجواز أداء أفعال الحج عندنا جاز وجوده قبل هجوم وقت أداء الأفعال ، كما تجوز الطهارة قبل دخول وقت الصلاة ، ولما كان ركنا عنده لم يجز سابقا على وقته ; لأن أداء أفعال العبادة المؤقتة قبل وقتها لا يجوز كالصلاة وغيرها ، فنتكلم في المسألة بناء وابتداء .
أما البناء فوجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن الذي أحرم بالحج يؤمر بإتمامه .
وكذا المحرم للصلاة يؤمر بإتمامها لا بالابتداء ، فلو لم يكن الإحرام من أفعال الحج لأمر بالابتداء لا بالإتمام فدل أنه ركن في نفسه ، وشرط لجواز أداء ما بقي من الأفعال ، ولنا أن ركن الشيء ما يأخذ الاسم منه ثم قد يكون بمعنى واحد ، كالإمساك في باب الصوم .
وقد يكون معاني مختلفة ، كالقيام والقراءة والركوع والسجود في باب الصلاة ، والإيجاب والقبول في باب البيع ، ونحو ذلك ، وشرطه : ما يأخذ الاعتبار منه ، كالطهارة للصلاة ، والشهادة في النكاح ، وغير ذلك ، والحج يأخذ الاسم من الوقوف
بعرفة ، وطواف الزيارة لا من الإحرام قال الله تعالى {
: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ، وحج
البيت : هو زيارة
البيت ، وقال النبي : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14046الحج عرفة } أي : الوقوف
بعرفة ، ولم يطلق اسم الحج على الإحرام ، وإنما به اعتبار الركنين ، فكان شرطا لا ركنا ، ولهذا جعله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي شرطا لأداء ما بقي من الأفعال .
وأما قوله : إنه يؤمر بالإتمام بعد الإحرام ممنوع ، بل لا يؤمر به ما لم يؤد بعد الإحرام شيئا من أفعال الحج .
وأما الابتداء
nindex.php?page=showalam&ids=13790فالشافعي احتج بقوله تعالى : {
الحج أشهر معلومات } أي وقت الحج أشهر معلومات ; إذ الحج نفسه لا يكون أشهرا ; لأنه فعل ، والأشهر أزمنة فقد عين الله أشهرا معلومة وقتا للحج ، والحج في عرف الشرع اسم لجملة من الأفعال مع شرائطها : منها الإحرام ، فلا يجوز تقديمه على وقته ، ولنا قوله تعالى : {
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } ظاهر الآية : يقتضي أن تكون الأشهر كلها وقتا للحج فيقتضي جواز الإحرام بأداء أفعال الحج في الأوقات
[ ص: 161 ] كلها إلا أنا عرفنا تعيين هذه الأشهر لأداء الأفعال بدليل آخر ، وهو قوله : {
الحج أشهر معلومات } فيعمل بالنصين ، فيحمل ما تلونا على الإحرام الذي هو شرط ، ويحمل ما تلوتم على نفس الأعمال عملا بالنص بالقدر الممكن ، ولأن الحج يختص بالمكان والزمان ، ثم يجوز الإحرام من غير مكان الحج بالإجماع ، فيجوز في غير زمان الحج إلا أنه يكره لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : من سنة الحج أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ، ومخالفة السنة مكروهة ، ثم اختلفوا في أن الكراهة لأجل الوقت أم لغيره ، منهم من قال : الكراهة ليست لأجل الوقت ، بل لمخافة الوقوع في محظورات الإحرام حتى أن من أمن ذلك لا يكره له ، ومنهم من قال : إن الكراهة لنفس الوقت ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أنه قال : أكره الإحرام قبل الأشهر ، ويجوز إحرامه وهو لابس أو جالس في خلوق أو طيب ، وهذا الإطلاق يدل على أن الكراهة لنفس الوقت ، والله عز وجل أعلم .