فصل
المعاصي تضعف القلب
ومن عقوبتها : أنها
تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة ، أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير ، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة ، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه ، فالذنب يحجب الواصل ، ويقطع السائر ، وينكس الطالب ، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته ، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره ، فإن زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يبعد تداركه ، والله المستعان .
فالذنب إما يميت القلب ، أو يمرضه مرضا مخوفا ، أو يضعف قوته ولا بد حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949430 [ الهم ، والحزن ، والعجز ، والكسل ، والجبن ، والبخل ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال ] وكل اثنين منها قرينان .
فالهم والحزن قرينان : فإن المكروه الوارد على القلب إن كان من أمر مستقبل يتوقعه أحدث الهم ، وإن كان من أمر ماض قد وقع أحدث الحزن .
والعجز والكسل قرينان : فإن تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح ، إن كان لعدم قدرته فهو العجز ، وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل .
والجبن والبخل قرينان : فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن ، وإن كان بماله فهو البخل .
وضلع الدين وقهر الرجال قرينان : فإن استعلاء الغير عليه إن كان بحق فهو من ضلع الدين ، وإن كان بباطل فهو من قهر الرجال .
[ ص: 74 ] والمقصود أن الذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الثمانية ، كما أنها من أقوى
الأسباب الجالبة لجهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء ، ومن أقوى الأسباب الجالبة لزوال نعم الله ، وتحول عافيته إلى نقمته وتجلب جميع سخطه .