فصل
العقوبات الشرعية على المعاصي
فإن لم تردعك هذه العقوبات ، ولم تجد لها تأثيرا في قلبك ، فأحضره
العقوبات الشرعية التي شرعها الله ورسوله على الجرائم ، كما قطع اليد في سرقة ثلاثة دراهم ، وقطع اليد والرجل في قطع الطريق على معصوم المال والنفس ، وشق الجلد بالسوط على كلمة قذف بها
[ ص: 110 ] المحصن ، أو قطرة خمر يدخلها جوفه ، وقتل بالحجارة أشنع قتلة في إيلاج الحشفة في فرج حرام ، وخفف هذه العقوبة عمن لم تتم عليه نعمة الإحصان بمائة جلدة ، وينفى سنة عن وطنه وبلده إلى بلد الغربة ، وفرق بين رأس العبد وبدنه إذا وقع على ذات رحم منه ، أو ترك الصلاة المفروضة ، أو تكلم بكلمة كفر ، وأمر بقتل من وطئ ذكرا مثله وقتل المفعول به ، وأمر بقتل من أتى بهيمة وقتل البهيمة معه ، وعزم على تحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة في الجماعة ، وغير ذلك من العقوبات التي رتبها الله على الجرائم ، وجعلها بحكمته على حسب الدواعي إلى تلك الجرائم ، وحسب الوازع عنها .
فما كان الوازع عنه طبيعيا وما ليس في الطباع داع إليه اكتفي بالتحريم مع التعزير ، ولم يرتب عليه حدا ، كأكل الرجيع ، وشرب الدم ، وأكل الميتة .
وما كان في الطباع داع إليه رتب عليه من العقوبة بقدر مفسدته ، وبقدر داعي الطبع إليه .
ولهذا لما كان داعي الطباع إلى الزنا من أقوى الدواعي كانت عقوبته العظمى من أشنع القتلات وأعظمها ، وعقوبته السهلة أعلى أنواع الجلد مع زيادة التغريب .
ولما كانت جريمة اللواط فيها الأمران ، كان حده القتل بكل حال ، ولما كان داعي السرقة قويا ومفسدتها كذلك ، قطع فيها اليد .
وتأمل حكمته في إفساد العضو الذي باشر به الجناية ، كما أفسد على قاطع الطريق يده ورجله اللتين هما آلة قطعه ، ولم يفسد على القاذف لسانه الذي جنى به ، إذ مفسدته تزيد على مفسدة الجناية ولا يبلغها ، فاكتفى من ذلك بإيلام جميع بدنه بالجلد .
فإن قيل :
فهلا أفسد على الزاني فرجه الذي باشر به المعصية .
قيل : لوجوه :
أحدها : أن مفسدة ذلك تزيد على مفسدة الجناية ، إذ فيه قطع النسل وتعريضه للهلاك .
الثاني : أن الفرج عضو مستور ، لا يحصل بقطعه مقصود الحد من الردع والزجر لأمثاله من الجناة ، بخلاف قطع اليد .
الثالث : أنه إذا قطع يده أبقى له يدا أخرى تعوض عنها ، بخلاف الفرج .
الرابع : أن لذة الزنا عمت جميع البدن ، فكان الأحسن أن تعم العقوبة جميع البدن ، وذلك أولى من تخصيصها ببضعة منه .
[ ص: 111 ] فعقوبات الشارع جاءت على أتم الوجوه وأوفقها للعقل ، وأقومها بالمصلحة .
والمقصود أن الذنوب إنما تترتب عليها العقوبات الشرعية أو القدرية أو يجمعها الله للعبد ، وقد يرفعها عمن تاب وأحسن .