صفحة جزء
[ ثور ]

ثور : ثار الشيء ثورا وثئورا وثورانا وتثور : هاج ; قال أبو كبير الهذلي :


يأوي إلى عظم الغريف ونبله كسوام دبر الخشرم المتثور

وأثرته وهثرته على البدل وثورته ، وثور الغضب : حدته . والثائر : الغضبان ، ويقال للغضبان أهيج ما يكون : قد ثار ثائره ، وفار فائره ، إذا غضب وهاج غضبه . وثار إليه ثورا وثئورا وثورانا : وثب . والمثاورة : المواثبة . وثاوره مثاورة وثوارا ; عن اللحياني : واثبه وساوره . ويقال : انتظر حتى تسكن هذه الثورة ، وهي الهيج . وثار الدخان والغبار وغيرهما يثور ثورا وثئورا وثورانا : ظهر وسطع وأثاره هو ; قال :


يثرن من أكدرها بالدقعاء     منتصبا مثل حريق القصباء

الأصمعي : رأيت فلانا ثائر الرأس إذا رأيته قد اشعان شعره أي : انتشر وتفرق وفي الحديث : جاءه رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسأله عن الإيمان ; أي : منتشر شعر الرأس قائمه ، فحذف المضاف ; ومنه الحديث الآخر : يقوم إلى أخيه ثائرا فريصته ; أي : منتفخ الفريصة قائمها غضبا ، والفريصة : اللحمة التي بين الجنب والكتف لا تزال ترعد من الدابة وأراد بها هاهنا عصب الرقبة وعروقها ; لأنها هي التي تثور عند الغضب ، وقيل : أراد شعر الفريصة على حذف المضاف . ويقال : ثارت نفسه إذا جشأت وإن شئت جاشت ; قال أبو منصور : جشأت أي : ارتفعت وجاشت أي : فارت . ويقال : مررت بأرانب فأثرتها . ويقال : كيف الدبى ؟ فيقال : ثائر وناقر ، فالثائر ساعة ما يخرج من التراب والناقر حين ينقر أي يثب من الأرض . وثار به [ ص: 54 ] الدم وثار به الناس أي : وثبوا عليه . وثور البرك واستثارها أي : أزعجها وأنهضها . وفي الحديث : فرأيت الماء يثور من بين أصابعه أي : ينبع بقوة وشدة ; والحديث الآخر : بل هي حمى تثور أو تفور . وثار القطا من مجثمه وثار الجراد ثورا وانثار : ظهر . والثور : حمرة الشفق الثائرة فيه ، وفي الحديث : صلاة العشاء الآخرة إذا سقط ثور الشفق ، وهو انتشار الشفق ، وثورانه حمرته ومعظمه . ويقال : قد ثار يثور ثورا وثورانا إذا انتشر في الأفق وارتفع ، فإذا غاب حلت صلاة العشاء الآخرة ، وقال في المغرب : ما لم يسقط ثور الشفق . والثور : ثوران الحصبة . وثارت الحصبة بفلان ثورا وثئورا وثؤارا وثورانا : انتشرت ; وكذلك كل ما ظهر ، فقد ثار يثور ثورا وثورانا . وحكى اللحياني : ثار الرجل ثورانا ظهرت فيه الحصبة . ويقال : ثور فلان عليهم شرا إذا هيجه وأظهره . والثور الطحلب وما أشبهه على رأس الماء . ابن سيده : والثور ما علا الماء من الطحلب والعرمض والغلفق ونحوه ، وقد ثار الطحلب ثورا وثورانا وثورته وأثرته . وكل ما استخرجته أو هجته ، فقد أثرته إثارة وإثارا ; كلاهما عن اللحياني . وثورته واستثرته كما تستثير الأسد والصيد ; وقول الأعشى :


لكالثور والجني يضرب ظهره     وما ذنبه أن عافت الماء مشربا

أراد بالجني اسم راع ، وأراد بالثور هاهنا ما علا الماء من القماس يضربه الراعي ليصفو الماء للبقر ; وقال أبو منصور وغيره : يقول ثور البقر أجرأ فيقدم للشرب لتتبعه إناث البقر ; وأنشد :


أبصرتني بأطير الرجال     وكلفتني ما يقول البشر
كما الثور يضربه الراعيان     وما ذنبه أن تعاف البقر

والثور : السيد وبه كني عمرو بن معد يكرب أبا ثور . وقول علي - كرم الله وجهه - : إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض ; عنى به عثمان - رضي الله عنه - ، لأنه كان سيدا وجعله أبيض ; لأنه كان أشيب ، وقد يجوز أن يعني به الشهرة ; وأنشد لأنس بن مدرك الخثعمي :


إني وقتلي سليكا ثم أعقله     كالثور يضرب لما عافت البقر
غضبت للمرء إذ نيكت حليلته     وإذ يشد على وجعائها الثفر

قيل : عنى الثور الذي هو الذكر من البقر ; لأن البقر تتبعه فإذا عاف الماء عافته ، فيضرب ليرد فترد معه ، وقيل : عنى بالثور الطحلب ; لأن البقار إذا أورد القطعة من البقر فعافت الماء وصدها عنه الطحلب ضربه ليفحص عن الماء فتشربه . وقال الجوهري في تفسير الشعر : إن البقر إذا امتنعت من شروعها في الماء لا تضرب ; لأنها ذات لبن ، وإنما يضرب الثور لتفزع هي فتشرب ، ويقال للطحلب : ثور الماء ; حكاه أبو زيد في كتاب المطر ; قال ابن بري : ويروى هذا الشعر :


إني وعقلي سليكا بعد مقتله

قال : وسبب هذا الشعر أن السليك خرج في تيم الرباب يتبع الأرياف فلقي في طريقه رجلا من خثعم يقال له مالك بن عمير فأخذه ومعه امرأة من خفاجة يقال لها نوار ، فقال الخثعمي : أنا أفدي نفسي منك ، فقال له السليك : ذلك لك على أن لا تخيس بعهدي ولا تطلع علي أحدا من خثعم ، فأعطاه ذلك وخرج إلى قومه وخلف السليك على امرأته فنكحها ، وجعلت تقول له : احذر خثعم ! فقال :


وما خثعم إلا لئام أذلة     إلى الذل والإسخاف تنمى وتنتمي

فبلغ الخبر أنس بن مدركة الخثعمي وشبل بن قلادة فحالفا الخثعمي زوج المرأة ولم يعلم السليك حتى طرقاه ، فقال أنس لشبل : إن شئت كفيتك القوم وتكفيني الرجل ، فقال : لا بل اكفني الرجل وأكفيك القوم ، فشد أنس على السليك فقتله ، وشد شبل وأصحابه على من كان معه ، فقال عوف بن يربوع الخثعمي وهو عم مالك بن عمير : والله لأقتلن أنسا لإخفاره ذمة ابن عمي ! وجرى بينهما أمر وألزموه ديته فأبى فقال هذا الشعر ; وقوله :


كالثور يضرب لما عافت البقر

هو مثل يقال عند عقوبة الإنسان بذنب غيره ، وكانت العرب إذا أوردوا البقر فلم تشرب لكدر الماء أو لقلة العطش ضربوا الثور ليقتحم الماء فتتبعه البقر ; ولذلك يقول الأعشى :


وما ذنبه إن عافت الماء باقر     وما أن يعاف الماء إلا ليضربا

وقوله :


وإذ يشد على وجعائها الثفر

الوجعاء : السافلة وهي الدبر . والثفر : هو الذي يشد على موضع الثفر ، وهو الفرج ، وأصله للسباع ثم يستعار للإنسان . ويقال : ثورت كدورة الماء فثار . وأثرت السبع والصيد إذا هجته . وأثرت فلانا إذا هيجته لأمر . واستثرت الصيد إذا أثرته أيضا . وثورت الأمر : بحثته . وثور القرآن : بحث عن معانيه وعن علمه . وفي حديث عبد الله : أثيروا القرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين ، وفي رواية : علم الأولين والآخرين ; وفي حديث آخر : من أراد العلم فليثور القرآن ; قال شمر : تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء به في تفسيره ومعانيه ، وقيل : لينقر عنه ، ويفكر في معانيه وتفسيره وقراءته ، وقال أبو عدنان : قال محارب صاحب الخليل لا تقطعنا فإنك إذا جئت أثرت العربية ; ومنه قوله :


يثورها العضان زيد ودغفل

وأثرت البعير أثيره إثارة فثار يثور وتثور تثورا إذا كان باركا ، وبعثه فانبعث . وأثار التراب بقوائمه إثارة : بحثه ; قال :


يثير ويذري تربها ويهيله     إثارة نباث الهواجر مخمس

قوله : نباث الهواجر يعني الرجل الذي إذا اشتد عليه الحر هال التراب ليصل إلى ثراه ، وكذلك يفعل في شدة الحر . وقالوا : ثورة رجال كثروة رجال ؛ قال ابن مقبل :

[ ص: 55 ]

وثورة من رجال لو رأيتهم     لقلت إحدى حراج الجر من أقر

ويروى وثروة . ولا يقال ثورة مال إنما هو ثروة مال فقط . وفي التهذيب : ثورة من رجال وثورة من مال للكثير . ويقال : ثروة من رجال ، وثروة من مال بهذا المعنى . وقال ابن الأعرابي : ثورة من رجال وثروة ، يعني عددا كثيرا ، وثروة من مال لا غير . والثور : القطعة العظيمة من الأقط ، والجمع أثوار وثورة ، على القياس . ويقال : أعطاه ثورة عظاما من الأقط جمع ثور . وفي الحديث : توضئوا مما غيرت النار ، ولو من ثور أقط ; قال أبو منصور : وذلك في أول الإسلام ثم نسخ بترك الوضوء مما مست النار ، وقيل : يريد غسل اليد والفم منه ، ومن حمله على ظاهره أوجب عليه وجوب الوضوء للصلاة . وروي عن عمرو بن معد يكرب أنه قال : أتيت بني فلان فأتوني بثور وقوس وكعب ; فالثور القطعة من الأقط ، والقوس البقية من التمر تبقى في أسفل الجلة ، والكعب الكتلة من السمن الحامس . وفي الحديث : أنه أكل أثوار أقط ; الأثوار جمع ثور ، وهي قطعة من الأقط ، وهو لبن جامد مستحجر . والثور : الأحمق ; ويقال للرجل البليد الفهم : ما هو إلا ثور . والثور : الذكر من البقر ; وقوله أنشده أبو علي بن أبي عثمان :


أثور ما أصيدكم أو ثورين     أم تيكم الجماء ذات القرنين

فإن فتحة الراء منه فتحة تركيب ثور مع ما بعده كفتحة راء حضرموت ، ولو كانت فتحة إعراب لوجب التنوين لا محالة ; لأنه مصروف ، وبنيت " ما " مع الاسم ، وهي مبقاة على حرفيتها كما بنيت " لا " مع النكرة في نحو لا رجل ، ولو جعلت " ما " مع ثور اسما ضممت إليه ثورا لوجب مدها ; لأنها قد صارت اسما ، فقلت : أثور ماء أصيدكم ; كما أنك لو جعلت حاميم من قوله :


يذكرني حاميم والرمح شاجر

اسمين مضموما أحدهما إلى صاحبه لمددت حا فقلت : حاء ميم ليصير كحضرموت ، كذا أنشده الجماء جعلها جماء ذات قرنين على الهزء ; وأنشدها بعضهم الحماء ; والقول فيه كالقول في ويحما من قوله :


ألا هيما مما لقيت وهيما     وويحا لمن لم يلق منهن ويحما

والجمع أثوار وثيار وثيارة وثورة وثيرة وثيران وثيرة ، على أن أبا علي قال في ثيرة إنه محذوف من ثيارة ، فتركوا الإعلال في العين أمارة لما نووه من الألف ، كما جعلوا الصحيح نحو اجتوروا واعتونوا دليلا على أنه في معنى ما لا بد من صحته ، وهو تجاوروا وتعاونوا ، وقال بعضهم : هو شاذ ، وكأنهم فرقوا بالقلب بين جمع ثور من الحيوان وبين جمع ثور من الأقط ; لأنهم يقولون في ثور الأقط ثورة فقط وللأنثى ثورة ; قال الأخطل :


وفروة ثفر الثورة المتضاجم

وأرض مثورة : كثيرة الثيران ; عن ثعلب . الجوهري عند قوله في جمع ثيرة : قال سيبويه : قلبوا الواو ياء حيث كانت بعد كسرة ، قال : وليس هذا بمطرد . وقال المبرد : إنما قالوا ثيرة ليفرقوا بينه وبين ثورة الأقط ، وبنوه على فعلة ثم حركوه ، ويقال : مررت بثيرة لجماعة الثور . ويقال : هذه ثيرة مثيرة أي : تثير الأرض . وقال الله تعالى في صفة بقرة بني إسرائيل : تثير الأرض ولا تسقي الحرث ; أرض مثارة إذا أثيرت بالسن ، وهي الحديدة التي تحرث بها الأرض . وأثار الأرض : قلبها على الحب بعدما فتحت مرة ، وحكي أثورها على التصحيح . وقال الله - عز وجل - : وأثاروا الأرض ; أي : حرثوها وزرعوها واستخرجوا منها بركاتها وأنزال زرعها . وفي الحديث : أنه كتب لأهل جرش بالحمى الذي حماه لهم للفرس والراحلة والمثيرة ; أراد بالمثيرة بقر الحرث ; لأنها تثير الأرض . والثور : برج من بروج السماء ، على التشبيه . والثور : البياض الذي في أسفل ظفر الإنسان . وثور : حي من تميم . وبنو ثور : بطن من الرباب ، وإليهم نسب سفيان الثوري . الجوهري : ثور أبو قبيلة من مضر وهو ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر وهم رهط سفيان الثوري . وثور بناحية الحجاز : جبل قريب من مكة يسمى ثور أطحل . غيره : ثور جبل بمكة ، وفيه الغار نسب إليه ثور بن عبد مناة لأنه نزله . وفي الحديث : أنه حرم ما بين عير إلى ثور . ابن الأثير قال : هما جبلان ، أما عير فجبل معروف بالمدينة ، وأما ثور فالمعروف أنه بمكة ، وفيه الغار الذي بات فيه سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر ، وهو المذكور في القرآن ; وفي رواية قليلة ما بين عير وأحد ، وأحد بالمدينة ، قال : فيكون ثور غلطا من الراوي ، وإن كان هو الأشهر في الرواية والأكثر ، وقيل : إن عيرا جبل بمكة ، ويكون المراد أنه حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور من مكة أو حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف . وقال أبو عبيد : أهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور ، وإنما ثور بمكة . وقال غيره : إلى بمعنى مع كأنه جعل المدينة مضافة إلى مكة في التحريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية