صفحة جزء
[ دون ]

دون : دون : نقيض فوق ، وهو تقصير عن الغاية ، ويكون ظرفا . والدون : الحقير الخسيس ; وقال :


إذا ما علا المرء رام العلاء ويقنع بالدون من كان دونا



ولا يشتق منه فعل . وبعضهم يقول منه : دان يدون دونا وأدين إدانة ; ويروى قول عدي في قوله :


أنسل الذرعان غرب جذم     وعلا الربرب أزم لم يدن



وغيره يرويه : لم يدن ، بتشديد النون على ما لم يسم فاعله ، من دنى يدني أي ضعف ، وقوله : أنسل الذرعان جمع ذرع ، وهو ولد البقرة الوحشية ; يقول : جري هذا الفرس وحدته خلف أولاد البقرة خلفه وقد علا الربرب شد ليس فيه تقصير . ويقال : هذا دون ذلك أي أقرب منه . ابن سيده : دون كلمة في معنى التحقير والتقريب ، يكون ظرفا فينصب ، ويكون اسما فيدخل حرف الجر عليه فيقال : هذا دونك وهذا من دونك ، وفي التنزيل العزيز : ووجد من دونهم امرأتين ; أنشد سيبويه :


لا يحمل الفارس إلا الملبون     ألمحض من أمامه ومن دون



قال : وإنما قلنا فيه أنه إنما أراد من دونه لقوله من أمامه فأضاف ، فكذلك نوى إضافة دون ; وأنشد في مثل هذا للجعدي :


لها فرط يكون ، ولا تراه     أماما من معرسنا ودونا



التهذيب : ويقال هذا دون ذلك في التقريب والتحقير ، فالتحقير منه مرفوع ، والتقريب منصوب ؛ لأنه صفة . ويقال : دونك زيد في المنزلة والقرب والبعد ; قال ابن سيده : فأما ما أنشده ابن جني من قول بعض المولدين :


وقامت إليه خدلة الساق ، أعلقت     به منه مسموما دوينة حاجبه



قال : فإني لا أعرف دون تؤنث بالهاء بعلامة تأنيث ولا بغير علامة ، ألا ترى أن النحويين كلهم قالوا الظروف كلها مذكرة إلا قدام ووراء ؟ قال : فلا أدري ما الذي صغره هذا الشاعر ، اللهم إلا أن يكون قد قالوا هو دوينه ، فإن كان كذلك فقوله دوينة حاجبه حسن على وجهه ; وأدخل الأخفش عليه الباء فقال في كتابه في القوافي ، وقد ذكر أعرابيا أنشده شعرا مكفأ : فرددناه عليه وعلى نفر من أصحابه فيهم من ليس بدونه ، فأدخل عليه الباء كما ترى ، وقد قالوا : من دون ، يريدون من دونه ، وقد قالوا : دونك في الشرف والحسب ونحو ذلك ; قال سيبويه : هو على المثل كما قالوا : إنه لصلب القناة وإنه لمن شجرة صالحة ، قال : ولا يستعمل مرفوعا في حال الإضافة . وأما قوله تعالى : وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ; فإنه أراد ومنا قوم دون ذلك فحذف الموصوف . وثوب دون : ردي . ورجل دون : ليس بلا حق . وهو من دون الناس والمتاع أي من مقاربهما . غيره : ويقال هذا رجل من دون ، ولا يقال رجل دون ، لم يتكلموا به ولم يقولوا فيه ما أدونه ، ولم يصرف فعله كما يقال رجل نذل بين النذالة . وفي القرآن العزيز : ومنهم دون ذلك ، بالنصب والموضع موضع رفع ، وذلك أن العادة في دون أن يكون ظرفا ولذلك نصبوه . وقال ابن الأعرابي : التدون الغنى التام . اللحياني : يقال رضيت من فلان بمقصر أي بأمر دون ذلك . ويقال : أكثر كلام العرب أنت رجل من دون وهذا شيء من دون ، يقولونها مع من . ويقال : لولا أنك من دون لم ترض بذا ، وقد يقال بغير من . ابن سيده : وقال اللحياني أيضا رضيت من فلان بأمر من دون ، وقال ابن جني : في شيء دون ، ذكره في كتابه الموسوم بالمعرب ، وكذلك أقل الأمرين وأدونهما ، فاستعمل منه أفعل وهذا بعيد ، لأنه ليس له فعل فتكون هذه الصيغة مبنية منه ، وإنما تصاغ هذه الصيغة من الأفعال كقولك أوضع منه وأرفع منه ، غير أنه قد جاء من هذا شيء ذكره سيبويه وذلك قولهم : أحنك الشاتين وأحنك البعيرين ، كما قالوا : آكل الشاتين كأنهم قالوا حنك ونحو ذلك ، فإنما جاءوا بأفعل على نحو هذا ولم يتكلموا بالفعل ، وقالوا : آبل الناس ، بمنزلة آبل منه ؛ لأن ما جاز فيه أفعل جاز [ ص: 333 ] فيه هذا ، وما لم يجز فيه ذلك لم يجز فيه هذا ، وهذه الأشياء التي ليس لها فعل ليس القياس أن يقال فيها أفعل منه ونحو ذلك . وقد قالوا : فلان آبل منه كما قالوا أحنك الشاتين . الليث : يقال زيد دونك أي هو أحسن منك في الحسب ، وكذلك الدون يكون صفة ويكون نعتا على هذا المعنى ولا يشتق منه فعل . ابن سيده : وادن دونك أي قريبا ; قال جرير :


أعياش ، قد ذاق القيون مراستي     وأوقدت ناري ، فادن دونك فاصطلي



قال : ودون بمعنى خلف وقدام . ودونك الشيء ودونك به أي خذه . ويقال في الإغراء بالشيء : دونكه . قالت تميم للحجاج : أقبرنا صالحا ، وقد كان صلبه ، فقال : دونكموه . التهذيب : ابن الأعرابي يقال ادن دونك أي اقترب ; قال لبيد :


مثل الذي بالغيل يغزو مخمدا     يزداد قربا دونه أن يوعدا



مخمد : ساكن قد وطن نفسه على الأمر ; يقول : لا يرده الوعيد فهو يتقدم أمامه يغشى الزجر ; وقال زهير بن خباب :


وإن عفت هذا ، فادن دونك     إنني قليل الغرار ، والشريج شعاري



الغرار : النوم . والشريج : القوس ; وقول الشاعر :


تريك القذى من دونها ، وهي دونه     إذا ذاقها من ذاقها يتمطق



فسره فقال : تريك هذه الخمر من دونها أي من ورائها ، والخمر دون القذى إليك ، وليس ثم قذى ولكن هذا تشبيه ; يقول : لو كان أسفلها قذى لرأيته . وقال بعض النحويين : لدون تسعة معان : تكون بمعنى قبل وبمعنى أمام وبمعنى وراء وبمعنى تحت وبمعنى فوق وبمعنى الساقط من الناس وغيرهم وبمعنى الشريف وبمعنى الأمر وبمعنى الوعيد وبمعنى الإغراء ، فأما دون بمعنى قبل فكقولك : دون النهر قتال ودون قتل الأسد أهوال أي قبل أن تصل إلى ذلك . ودون بمعنى وراء كقولك : هذا أمير على ما دون جيحون أي على ما وراءه . والوعيد كقولك : دونك صراعي ودونك فتمرس بي . وفي الأمر : دونك الدرهم أي خذه . وفي الإغراء : دونك زيدا أي الزم زيدا في حفظه . وبمعنى تحت كقولك : دون قدمك خد عدوك أي تحت قدمك . وبمعنى فوق كقولك : إن فلانا لشريف ، فيجيب آخر فيقول : ودون ذلك أي فوق ذلك . وقال الفراء : دون تكون بمعنى على ، وتكون بمعنى عل ، وتكون بمعنى بعد ، وتكون بمعنى عند ، وتكون إغراء ، وتكون بمعنى أقل من ذا وأنقص من ذا ، ودون تكون خسيسا . وقال في قوله تعالى : ويعملون عملا دون ذلك ; دون الغوص ، يريد سوى الغوص من البناء ; وقال أبو الهيثم في قوله :


يزيد يغض الطرف دوني

أي ينكسه فيما بيني وبينه من المكان . يقال : ادن دونك أي اقترب مني فيما بيني وبينك . والطرف : تحريك جفون العينين بالنظر ، يقال لسرعة من الطرف واللمح . أبو حاتم عن الأصمعي : يقال يكفيني دون هذا ، لأنه اسم . والديوان : مجتمع الصحف ; أبو عبيدة : هو فارسي معرب ; ابن السكيت : هو بالكسر لا غير ، الكسائي : بالفتح لغة مولدة وقد حكاها سيبويه وقال : إنما صحت الواو في ديوان ، وإن كانت بعد الياء ولم تعتل كما اعتلت في سيد ، لأن الياء في ديوان غير لازمة ، وإنما هو فعال من دونت ، والدليل على ذلك قولهم : دويوين ، فدل ذلك أنه فعال وأنك إنما أبدلت الواو بعد ذلك ، قال : ومن قال ديوان فهو عنده بمنزلة بيطار ، وإنما لم تقلب الواو في ديوان ياء ، وإن كانت قبلها ياء ساكنة ، من قبل أن الياء غير ملازمة ، وإنما أبدلت من الواو تخفيفا ، ألا تراهم قالوا دواوين لما زالت الكسرة من قبل الواو ؟ على أن بعضهم قد قال دياوين ، فأقر الياء بحالها ، وإن كانت الكسرة قد زالت من قبلها ، وأجرى غير اللازم مجرى اللازم ، وقد كان سبيله إذا أجراها مجرى الياء اللازمة أن يقول ديان ، إلا أنه كره تضعيف الياء كما كره الواو في دياوين ; قال :


عداني أن أزورك ، أم عمرو     دياوين تنفق بالمداد

الجوهري : الديوان أصله دوان ، فعوض من إحدى الواوين ياء لأنه يجمع على دواوين ، ولو كانت الياء أصلية لقالوا دياوين ، وقد دونت الدواوين . قال ابن بري : وحكى ابن دريد وابن جني أنه يقال دياوين . وفي الحديث : لا يجمعهم ديوان حافظ ; قال ابن الأثير : هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء . وأول من دون الديوان عمر - رضي الله عنه - وهو فارسي معرب . ابن بري : وديوان اسم كلب ; وقال الراجز :


أعددت ديوانا لدرباس الحمت     متى يعاين شخصه لا ينفلت

ودرباس أيضا : كلب أي أعددت كلبي لكلب جيراني الذي يؤذيني في الحمت .

التالي السابق


الخدمات العلمية